Hot!

المرجع القانوني الجزائري | المسؤولية التقصيرية










•ا

تمثل المسؤولية التقصيرية أهم الوقائع المادية المنشئة للالتزام كأحد مصادره غير الإرادية، فما المقصود بالمسؤولية التقصيرية وما هي أحكامهاّ؟

فصل تمهيدي : مفهوم المسؤولية التقصيرية

لتحديد مفهوم المسؤولية التقصيرية سيتم التعرض بداية لنشأتها وتطورها، ثم تعريف المسؤولية بصفة عامة مع ذكر أنواعها.

المبحث الأول : نشأة و تطور المسؤولية التقصيرية

لقد عرفت المسؤولية التقصيرية تطوراً ملحوظاً بمرور الزمن، ففي المجتمعات البدائية كان المضرور قاضي نفسه بمعنى يقتضي لنفسه بنفسه على أساس فكرة الثأر أو الانتقام بمقتضى ما يملكه من قوة، ولما كان المضرور يتعسف في استعمال حقه في الثأر، فقد أدى ذلك إلى ظهور نزاعات بين الأفراد والقبائل، ثم في مرحلة لاحقة بدأت هذه المجتمعات البدائية تتطور، فنظمت الحق في القصاص و حددت له قيود لا يجوز للمضرور تجازوها تحت إشراف سلطة عامة، ثم بعد ذلك ظهرت فكرة الدية كمقابل مادي يتقاضاه المضرور لقاء العفو عن محدث الضرر (المسؤول) باتفاق بينهما (دية إختيارية) و كانت تمثل هذه الدية تعويض للمضرور و عقوبة للجاني في ذات الوقت.

ومع تطور المجتمعات تدخلت الدولة لتوفير الأمن و الاستقرار و النظام في المجتمع، و ذلك بفرض الدية مع تحديد مقدارها من جهة و توقيع العقوبة على بعض الجرائم من جهة أخرى، و ترتب عن ذلك تفرقة بين نوعين من الجرائم: جرائم عامة تمس بالمصلحة العامة للمجتمع ككل لذلك تملك الدولة حق توقيع العقوبة على مرتكبها باسم المجتمع، وجرائم خاصة (أفعال ضارة) تمس بالمصلحة الخاصة للأشخاص ويقتصر دور الدولة فيها على فرض التعويض لإصلاح الضرر المترتب عنها، وبذلك برزت المسؤولية الجنائية من جهة متمثلة في العقوبة والمسؤولية المدنية من جهة أخرى متمثلة في التعويض.

لقد ظهرت فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية المدنية في ظل القانون الروماني، إلا أنها لم تصل إلى درجة القاعدة العامة التي تقرر المسؤولية المدنية حسب ما هو سائد حالياً في معظم الأنظمة القانونية المعاصرة، و ذلك نظراً لاختلاط فكرة التعويض بالعقوبة نتيجة عدم وضوح الفوارق بين هذه المسؤولية وبين المسؤولية الجنائية آنذاك، بناء على ذلك، لم يتضمن القانون الروماني مبدأ عام يقضي بالمسؤولية المدنية بل كانت هناك أحكام خاصة تقرر المسؤولية على بعض الأفعال المجرمة بصفة محددة، و كانت المسؤولية تتحقق بإرتكاب هذه الأفعال، أما تلك الأفعال التي لم يرد حكم خاص بشأنها فلا تعتبر أفعال غير مشروعة.

ثم بدأت فكرة الخطأ تتبلور في ظل القانون الفرنسي القديم حتى وصلت إلى درجة القاعدة العامة في المسؤولية المدنية، و من هنا تم الفصل بشكل نهائي بينها وبين المسؤولية الجنائية، وبذلك ميز هذا القانون بين التعويض والعقوبة الجنائية، كما ميز بين المسؤولية العقدية والتقصيرية.

و بصدور تقنين نابليون في 1804 تطورت المسؤولية التقصيرية تطورا كبيرا، فبالإضافة إلى إقراره بفكرة الخطأ كأساس للمسؤولية التقصيرية عن الأفعال الشخصية، و التي تمثل المبدأ العام في المسؤولية التقصيرية، أقر استثناء بصور خاصة لها و هي مسؤولية الشخص عن فعل الغير في حالات معينة، وكذا مسؤوليته الناشئة عن الأشياء (الأشياء غير الحية – الحيوانات – تهدم البناء – الحريق)، وهو ما يعرف بالنظرية الشخصية أو التقليدية للمسؤولية التقصيرية.

إلا أنه بعد النهضة الصناعية وما أدت إليه من تطورات اجتماعية و اقتصادية وسياسية، و ظهور الآلة في الحياة المعاصرة، و التي صاحبها ازدياد الحوادث والضحايا الذين كانت تضيع حقوقهم في الحصول على التعويض بسبب تعذر إثبات خطأ المسؤول عن أضرارهم، أصبحت النظرية التقليدية للمسؤولية التقصيرية المبنية على أساس الخطأ (النظرية الشخصية) عاجزة عن حماية حق الضحايا المتضررين من حوادث العمل في التعويض، مما أدى إلى البحث عن أساس آخر غير الخطـأ تبنى عليه المسؤولية التقصيرية.

وعموما، فقد ساهمت كل هذه التطورات في ظهور عدة نظريات، أهمها:

1) النظرية الشخصية: أقامت هذه النظرية المسؤولية التقصيرية على أساس الخطأ كركن جوهري لا تقوم بدونه، فلا مسؤولية بدون خطأ سواء كان واجب الإثبات أو مفترض، و دون تفرقة بين خطأ عمدي أو غير عمدي، خطأ جسيم أو يسير...إلخ

2) النظرية الموضوعية (تحمل التبعة): بظهور هذه النظرية بناء على اعتبارات العدالة، أصبحت المسؤولية لا تقوم على فكرة الخطأ وإنما على أساس الضرر الذي حدث للمضرور، الأمر الذي أدى إلى توسيع نطاق المسؤولية التقصيرية، فطبقا لقاعدة "الغُرْمُ بالغُنْمِ" ينبغي على كل من يقوم بنشاط اقتصادي ويستفيد من مغانمه أو أرباحه، تحمل جميع نتائجه الضارة أو مغارمه.

3) نظرية الضمان: تقوم المسؤولية التقصيرية طبقا لهذه النظرية على أساس الضمان، و هذا الأخير يقوم على فكرة الإخلال بحقوق المضرور، لأن إلحاق الأضرار بالغير يشكل إنتهاكاً للحق في السلامة الذي يكفله القانون لكل فرد في المجتمع، ومن ثم إذا ثبت ضرر للمضرور تتحقق المسؤولية ويكون مسبب الضرر ملزماً بالتعويض لمجرد وقوع الضرر دون البحث في سلوكه عن الخطأ فيما عدا حالة القوة القاهرة، وذلك نتيجة المساس بحق الضمان المقرر للغير.

4) موقف المشرع الجزائري من هذه النظريات:

أخذ المشرع الجزائري بالنظرية الشخصية في المسؤولية التقصيرية وأسسها كقاعدة عامة على فكرة الخطأ واجب الإثبات بالنسبة للمسؤولية عن الأفعال الشخصية، غير أنه أضاف حالات تقوم فيها المسؤولية على الخطأ المفترض و هي المسؤولية عن فعل الغير و عن الأشياء، كما أخذ بالنظرية الموضوعية التي تقوم على أساس الضرر في مسؤولية المنتج و كذلك في مجال حوادث العمل طبقا للقانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل الفردية المعدل والمتمم، بالإضافة إلى ذلك أخذ بنظرية الضمان في مجال التأمينات و الضمان الاجتماعي.

المبحث الثاني: تعريف المسؤولية وأنواعها

يقصد بالمسؤولية بصفة عامة:" الجزاء المترتب عن الإخلال بالتزام معين"، ويستخلص من هذا التعريف أن المسؤولية تتنوع تبعا لتنوع الالتزام الذي تم الإخلال به، فإذا كان التزام ديني كانت مسؤولية المخل دينية أمام الله عز و جل، والجزاء عليها يكون أخروي أو دنيوي وفقاً لمشيئته تعالى.

وإذا كان الإخلال بالتزام أخلاقي ناشئ عن تقاليد أو عادات اجتماعية، كانت المسؤولية المترتبة عليه أدبية أمام المجتمع، والجزاء الناجم عنها يتمثل في تأنيب الضمير أو استنكار المجتمع لهذا السلوك.

أما إذا كان الإخلال بالتزام قانوني فيترتب عليه مسؤولية قانونية، و تتنوع هذه المسؤولية بدورها تبعاً لنوع القاعدة القانونية التي تم الإخلال بها، فإذا كانت هذه القاعدة جنائية تهدف إلى حماية المصلحة العامة للمجتمع كانت مسؤولية الفاعل جنائية، كالقتل والضرب والجرح والسرقة و القذف .... الخ، وإذا كانت هذه القاعدة تقرر حماية المصلحة الخاصة للأشخاص، كانت مسؤولية المخل بها مدنية.

وتنقسم المسؤولية المدنية بدورها إلى نوعين تبعا لنوع الالتزام المدني، فإذا تم الإخلال بالتزام عقدي ترتب عليه مسؤولية عقدية، أما إذا كان الإخلال بواجب قانوني عام وهو عدم الإضرار بالغير فيترتب عنه مسؤولية تقصيرية، وهذه الأخيرة هي محل دراستنا.

الفصل الأول: أحكام المسؤولية التقصيرية في القانون الجزائري

تعرف المسؤولية التقصيرية بأنها:" الجزاء المترتب عن الإخلال بالتزام قانوني عام يتمثل في عدم الإضرار بالغير"، و قد تناول المشرع الجزائري أحكام هذه المسؤولية ضمن الباب الأول المتعلق بمصادر الالتزام في الفصل الثالث منه تحت عنوان "الفعل المستحق للتعويض" من المادة 124 إلى 140 مكرر 1 ق.م.، حيث قسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام على النحو الآتي:

القسم الأول: المسؤولية عن الأفعال الشخصية (المواد من 124 إلى 133 ق.م.)

القسم الثاني: المسؤولية عن فعل الغير(المواد من 134 إلى 137 ق.م.)

القسم الثالث: المسؤولية الناشئة عن الأشياء (المواد من 138 إلى 140 مكرر 1 ق.م.)

بناء على ذلك، يتضح أن المشرع الجزائري قد تبنى القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية ألا وهي المسؤولية عن الأفعال الشخصية، إضافة إلى ذلك أقر استثناء في حالات معينة بالمسؤولية عن فعل الغير وعن الأشياء.







المصدر محاضرات الاستاذة د.سويلم

جامعة سعيدة



السنة الثانية حقوق