Hot!

المرجع القانوني الجزائري | اثار العقد من حيث الموضوع















أثار العقد من حيث الموضوع




إذا انعقد العقد بتوافر أركانه وشروط صحته، رتب آثاره و أصبح له قوة ملزمة على كلا طرفيه، وقبل التطرق لهذه القوة الملزمة، لابد من تبيان طرق تحديد آثار العقد من حقوق والتزامات.

المطلب الأول: تحديد آثار العقد (تحديد مضمون العقد)

آثار العقد هي الحقوق والالتزامات الناشئة عنه والتي تكون واجبة التنفيذ على طرفيه، فكيف يتم تحديدها؟

يتم تحديد الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد بإرادة كلا طرفيه لاسيما تلك التي تعتبر من المسائل الجوهرية التي لا ينعقد العقد بدونها، أما إذا وقع نزاع بين المتعاقدين حول تحديد بعض آثار العقد بوصفها مسائل تفصيلية، فيتم اللجوء إلى القاضي المدني الذي منحه المشرع عدة وسائل لتحديدها من خلال تفسير العقد وتكييفه.

الفرع الأول: تفسير العقد

يقصد بتفسير العقد: البحث عن إرادة المتعاقدين في بنوده لتحديد ما اتجهت إليه إرادتهما المشتركة، حيث يعبر المتعاقدين عن إرادتهما في العقد من خلال صياغة بنود تتضمن آثار العقد المتفق عليها، ويتم التعرف على إرادة المتعاقدين من قبل القاضي من خلال عبارات العقد التي استخدماها، فإذا كانت عبارات العقد واضحة المعنى لا تحتاج إلى تفسير، يلتزم القاضي بمعناها الظاهر حسب المادة 1/111 ق.م.

أما إذا كانت عبارات العقد غامضة المعنى (غير واضحة) بحيث لا تكشف عن المعنى المراد منها كأن تحتمل أكثر من معنى (مبهمة) أو متناقضة، فعلى القاضي حسب المادة 2/111 ق.م. أن يلجأ إلى قواعد التفسير بحثاً عن النية المشتركة للمتعاقدين للتعرف على حقيقة إرادتهما، و يستهدي في ذلك بطبيعة المعاملة وبما ينبغي أن يتوافر بين المتعاقدين من أمانة وثقة وفقاً للعرف التجاري.

وفي حالة وجود عبارات غامضة و اجتهد القاضي في تفسيرها وفقا للمعايير السابقة للوصول إلى الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، ومع ذلك لم يستطع تحديد إرادتهما منه، فعندئذ يكون قد وصل إلى آخر مرحلة من مراحل التفسير ألا وهي الشك حول عبارات العقد، وفي هذه الحالة يفسر القاضي استنادا إلى المادة 112 ق.م. الشك لمصلحة المدين، باستثناء عقود الإذعان التي يفسر فيها الشك لمصلحة الطرف المذعَن سواء كان مدين أو دائن.



الحالة

عبارات العقد

قواعد التفسير


1

وضوح عبارات العقد

(المادة 1/111 ق.م.)

لا تحتاج إلى تفسير

يلتزم القاضي بالمعنى الظاهر




2



غموض عبارات العقد

(غير واضحة)

(المادة 2/111 ق.م.)

يلجأ القاضي إلى قواعد التفسير للبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ

مستهدياً في ذلك: بطبيعة المعاملة وما تقتضيه من أمانة وثقة بين المتعاقدين، العرف التجاري في المعاملات المماثلة.


3

وجود شك حول عبارات العقد

(المادة 112 ق.م.)

يفسر الشك لمصلحة المدين باستثناء عقود الإذعان التي يفسر فيها الشك لمصلحة الطرف المذعَن سواء كان مدين أو دائن


الفرع الثاني: تكييف العقد

يعتبر تكييف العقد الطريق الثاني الذي يسلكه القاضي لتحديد آثار العقد، ويقصد بتكييف العقد تصنيفه أي إعطاء العقد وصف قانوني معين تمهيداً لتحديد القواعد القانونية المناسبة التي تحكمه، فإذا انتهى القاضي من عملية التفسير وتبين له إلى ما اتجهت إليه الإرادة المشتركة للمتعاقدين، فإنه يقوم بعد ذلك بإعطاء وصف معين على العلاقة العقدية بين الطرفين، حتى يطبق عليها نصوص القانون المناسبة لحكم العقد.

وبما أن التكييف مسألة قانونية فإنه على القاضي أن يتصدى لها أثناء نظر النزاع المتعلق بالعقد حتى ولو لم يطلب منه الخصوم ذلك، كما أنه لا يتقيد في تكييفه للعقد بالوصف الذي أطلقه عليه المتعاقدين إذا كان تكييفهما غير صحيح بحيث لا يتناسب مع بنود العقد أو مع آثاره التي ارتضاها المتعاقدين، فيتدخل لتصحيح هذا التكييف بإعطاء العقد وصفه الصحيح على ضوء ما اتجهت إليه النية المشتركة للمتعاقدين.

المطلب الثاني: القوة الملزمة للعقد

تقتضي القوة الملزمة للعقد من طرفيه تنفيذه وفق الشروط التي يتضمنها وبحسن نية، ما لم تطرأ ظروف استثنائية تجعل تنفيذه مرهقاً.



الفرع الأول: تنفيذ العقد

يلتزم المتعاقدان بتنفيذ مضمون العقد حسبما اتفقا عليه وبحسن نية، ولا يجوز لأحدهما حله أو تعديله بإرادته المنفردة، وهذا ما يعبر عنه بقاعدة " العقد شريعة المتعاقدين".

أولا: تنفيذ العقد طبقا لمبدأ حسن النية

تقتضي المادة 1/107 ق.م. على المتعاقدين تنفيذ العقد وفقا لما اشتمل عليه من شروط بحسن نية، و يستوجب مبدأ حسن النية أن يكون كل متعاقد في تنفيذه لالتزاماته في العقد غير سيء النية من خلال التصرف بالأمانة والامتناع عن الغش في إطار احترام القانون.

وطبقا للمادة 2/107 من ق.م. التي تنص:" ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب، بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته..." لا يتقيد القاضي عند تحديده لآثار العقد ببنوده فقط، بمعنى أنه على القاضي ألا يقف عند حد الالتزامات والحقوق التي اتجهت إليها الإرادة المشتركة للمتعاقدين، بل يأخذ بعين الاعتبار كل ما يعد من مستلزمات العقد وفقا للقانون والعرف والعدالة، بحسب طبيعة الالتزام، ومن هنا يتضح أن المتعاقدين ملزمان بتنفيذ مضمون العقد ومستلزماته.

ثانيا: العقد شريعة المتعاقدين

طبقا للمادة 106 ق.م. يعتبر العقد بمثابة القانون الذي يحكم المتعاقدين، حيث يلزم كل متعاقد بتنفيذ آثار العقد كما تم الاتفاق عليها، كما يجوز لهما نقض العقد أو تعديله باتفاقهما كأصل عام.

استثناءًا أجاز المشرع لأحد المتعاقدين نقض العقد بإرادته المنفرة في حالات معينة مثال ذلك: عقد الوكالة في المادة 587 ق.م. وعقد العارية في المادة 547 ق.م.

كما أجاز المشرع للقاضي التدخل لتعديل العقد في حالات معينة مثال ذلك: الغبن الاستغلالي (المادة 1/90 ق.م.) - عقد الإذعان (المادة 110 ق.م.) - الشرط الجزائي (المادة 2/184 - 185 -187 ق.م.) - الظروف الطارئة (المادة 3/107 ق.م.)

الفرع الثاني : نظرية الظروف الطارئة

سمح المشرع بموجب المادة 3/107 ق.م. للقاضي التدخل لتعديل العقد ورد اختلال التوازن العقدي الناتج عن الظروف الطارئة إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.

تعرف الظروف الطارئة بأنها: "حوادث استثنائية عامة وغير متوقعة وقت إبرام العقد المتراخي التنفيذ، فتجعل إلتزام المدين مرهقاً."

أولا: شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة

لتطبيق نظرية الظروف الطارئة تستلزم الفقرة 03 من المادة 107 ق.م. توافر الشروط التالية:

1- الشروط المتعلقة بالعقد:

‌أ. أن يكون العقد من العقود متراخية التنفيذ (مؤجلة التنفيذ) سواء كان من العقود المستمرة بطبيعتها أو من العقود الفورية لكن اتفق المتعاقدان على تراخي تنفيذ العقد.

‌ب. أن يكون العقد من العقود المحددة فنظرية الظروف الطارئة لا تطبق على العقود الإحتمالية (عقود الغرر) لأنها تعرض بطبيعتها المتعاقدين لإحتمال الحصول على ربح كبير أو تحمل خسارة فادحة.

‌ج. أن يكون العقد قائماً ومرتباً لآثاره لذا يجب أن يقع الظرف الطارئ بعد إبرام العقد وقبل إتمام تنفيذه، بحيث يؤدي وقوعه إلى اختلال التوازن العقدي الذي كان موجوداً عند التعاقد.

2- الشروط المتعلقة بالحادث الطارئ:

‌أ. أن يكون الحادث استثنائياً أي حادثاً غير مألوفاً بطبيعته لكونه نادر الوقوع سواء كان بفعل الإنسان أو الطبيعة كالحروب، الزلازل، الحرائق، انتشار الأوبئة...

‌ب. أن يكون الحادث عاماً بحيث يَعُمْ كافة الناس أو فئة منهم ولا يقتصر على المدين فقط.

ج. أن يكون الحادث غير متوقع الحدوث وقت إبرام العقد أي عدم إستطاعة الشخص العادي توقعه لو وجد في ظروف المدين وقت التعاقد

3- الشروط المتعلقة بالإلتزام العقدي:

- أن يصبح تنفيذ الالتزام العقدي مرهقاً للمدين وليس مستحيلاً، بحيث يهدده بخسارة فادحة غير مألوفة، أما الخسارة العادية فهي من الأمور المتوقعة والمألوفة عند التعاقد ولا تدخل في نطاق تطبيق هذه النظرية، ويقاس مدى تأثير الحادث الطارئ على الالتزام بجعله مرهقاً أم مستحيلاً، بمعيار موضوعي (معيار الرجل العادي) وليس المعيار الذاتي الخاص بالمدين نفسه.

إن هذا الشرط هو الذي يميز بين الظرف الطارئ والقوة القاهرة التي يترتب عنها إنقضاء الالتزام لاستحالة تنفيذه.

وعليه، ينظر القاضي إلى ما أحدثه الظرف الطارئ من إختلال في التوازن الاقتصادي بين التزامات وحقوق كل من طرفي العقد، دون النظر في الظروف الخاصة بكل منهما، سواء أكان هذا الطرف مديناً أم كان دائناً.

ثانيا : أثر توافر نظرية الظروف الطارئة

استناداً إلى الفقرة 03 من المادة 107 ق.م. إذا توافرت شروط نظرية الظروف الطارئة، جاز للقاضي- مع الموازنة بين مصالح المتعاقدين- التدخل لتعديل العقد من خلال:

1- تعديل الإلتزام المرهق ورده إلى الحد المعقول وله سلطة تقديرية واسعة في هذا التدخل، وذلك إما بـــ:

§ إنقاص التزام المدين المرهق إلى الحد المعقول

§ زيادة التزام الدائن المقابل بشرط عدم إصابته بضرر جسيم.

§ توزيع الخسارة على المتعاقدين الدائن والمدين.

إضافة إلى ذلك، يجوز للقاضي طبقا لأحكام الفقرة 02 من المادة 281 ق.م. إما:

2- منح المدين مهلة لتنفيذ التزامه مراعاة لظروفه الاقتصادية وتسمى بنظرة الميسرة، دون أن تتجاوز مدة سنة.

3- وقف تنفيذ الالتزام المرهق إذا كانت الظروف الطارئة مؤقتة.




المصدر محاضرات الاستاذة د.سويلم

جامعة سعيدة



السنة الثانية حقوق