المبادئ والضمانات القانونية الممنوحة للمستثمرين
في ظل القانون 22-18
إن التمتع بالامتيازات أو المزايا سالفة الذكر بالرغم من أهميتها كعامل مشجع للاستثمارات، لا يعد كافياً لوحده ما لم تقم الدولة بمنح تسهيلات وتوفير ضمانات تشجع المستثمرين الوطنيين والأجانب على حد السواء، بحيث تزيل عنهم أية مخاوف إزاء المخاطر التي قد تقف حاجزا أمام إنجاز مشاريعهم الاستثمارية، وذلك من خلال التزام الدولة بتقديم الوسائل الكفيلة لتحقيق الأمان القانوني لهؤلاء المستثمرين، من خلال توفير بيئة لهم تشريعية وتنظيمية وحتى اقتصادية، إجتماعية وسياسية.
تأسيسا على ذلك، كرس المشرع الجزائري بموجب القانون 22-18 العديد من الضمانات لمصلحة كل من المستثمرين الوطنيين والأجانب بهدف تحسين المناخ الاستثماري في الجزائر في المواد من 06 إلى 14 من هذا القانون، بالإضافة إلى مختلف الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي أبرمتها الجزائر في مجال الاستثمار وتمت المصادقة عليها، ويمكن تقسيم هذه الضمانات إلى: ضمانات قانونية وضمانات مالية وأخرى قضائية.
علاوة على هذه الضمانات، حرص المشرع الجزائري على تكريس مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها قانون الاستثمار 22-18 بموجب المادة 03 منه، وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: المبادئ القانونية المكرسة للمستثمرين في ظل القانون 22-18
أرسى المشرع الجزائري بموجب المادة 03 من قانون الاستثمار 22-18 مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها هذا القانون، والتي تعد بمثابة ركائز أساسية لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لكل مستثمر، سواء كان وطني أو أجنبي مهما كان شكل مشروعه الاستثماري أو حجم رأسماله أو نوع النشاط الاقتصادي الذي يمارسه، وتتمثل هذه المبادئ في:
المبحث الأول: مبدأ حرية الاستثمار
يعد مبدأ حرية المنافسة و الذي يصطلح عليه دستوريا بـ"حرية التجارة و الاستثمار والمقاولة" ركيزة أساسية في عملية الانفتاح و التحول نحو اقتصاد السوق، و من خلال هذا المبدأ العام تبرز أهمية مبدأ حرية الاستثمار كمبدأ متفرع عنه، لما له من دور كبير في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، و لتحديد مفهوم مبدأ حرية الاستثمار، ينبغي بداية تبيان التكريس الدستوري والقانوني له، ثم تحديد مضمونه والقيود الواردة عليه.
المطلب الأول: التكريس الدستوري والقانوني لمبدأ حرية الاستثمار
لقد كرس الدستور الجزائري صراحة مبدأ حرية الاستثمار بموجب المادة 43 من التعديل الدستوري لسنة 2016، والتي تعتبر أول نص دستوري يكرس صراحة حرية الاستثمار، هذه الحرية التي أكد عليها المشرع في المادة 61 من التعديل الدستوري لسنة 2020.
و بهذا النص يكون المشرع الدستوري قد أضفى حماية كافية لمبدأ حرية الاستثمار ضد كل صور التعدي عليه سواء كانت صادرة من الدولة أو الخواص، واستبعد بذلك كل الحواجز والعوائق التي تحول دون قيام المؤسسات الوطنية والأجنبية بالمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية بعدما كانت حكراً على المؤسسات العمومية قبل مرحلة الانفتاح الاقتصادي.
بالنسبة للتكريس القانوني لمبدأ حرية الاستثمار فقد سبق من حيث صدوره التكريس الدستوري لهذا المبدأ في 2022، حيث أصدر المشرع الجزائري في 05 أكتوبر 1993 أول نص قانوني يكرّس بصفة صريحة مبدأ حرية الاستثمار وهو المرسوم التشريعي 93-12 المتعلق بترقية الاستثمار بموجب المادة 1/03 منه التي نصت على أنه:" تنجز الاستثمارات بكل حرية..."، وقد أكد على هذا التكريس في 20 أوت 2001 الأمر 01-03 المتعلق بتطوير الاستثمار في المادة 1/04 منه التي نصت على أنه:" تنجز الاستثمارات في حرية تامة...".
نفس المبدأ أكده القانون 16-09 المتعلق بترقية الاستثمار الصادر في 03 أوت 2016 في المادة 03 منه التي تنص على أنه:" تنجز الاستثمارات المذكورة في أحكام هذا القانون في ظل احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها..."
علاوة على ذلك، حدد القانون الجديد 22-18 مبادئه الأساسية في المادة 03 منه التي عرفت لأول مرة مبدأ حرية الاستثمار في فقرتها 01 على النحو التالي: "حـريـة الاستـثـمار : كـــل شخص طبيعي أو معنوي، وطـــنيا كــان أو أجـــنبيــا، مقيــم أو غــيــر مــقــيــم، يــرغب في الاستثــمـــار، هـــو حـــر في اختيار استثــمــاره وذلك في ظــل احترام التشريع والتنظيم المعمول بهما".
وعليه، فإنه تطبيقا لهذا التكريس الدستوري والقانوني لمبدأ حرية الاستثمار يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي وطني أو أجنبي أن يمارس النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع والخدمات، شريطة احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها، سواء تلك المنجزة في شكل: استثمارات الإنشاء أو توسيع قدرات الإنتاج و/أو إعادة تأهيل أدوات الإنتاج، أو عن طريق المساهمة النقدية أو العينية في رأس مال مؤسسة أو نقل أنشطة من الخارج، والتي لا تكون محل استثناء من المزايا، أي غير الواردة في القوائم السلبية المحددة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 22-300 سالف الذكر.
المطلب الثاني: تحديد مضمون مبدأ حرية الاستثمار
يقصد بمبدأ حرية الاستثمار:" حرية الأشخاص الطبيعيين والمعنويين سواء كانوا وطنيين أو أجانب في ممارسة النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع و الخدمات المنجزة في إطار الاستثمارات المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، بغرض الاستفادة من المزايا والضمانات التي يقررها قانون الاستثمار"، وذلك بالنظر لدوره المهم في تحقيق التنمية الاقتصادية للدولة.
بمعنى آخر حرية الأشخاص في انجاز استثمارات الإنشاء توسيع قدرات الإنتاج و/أو إعادة تأهيل أدوات الإنتاج، أو عن طريق المساهمة النقدية أو العينية في رأس مال مؤسسة أو نقل أنشطة من الخارج، لممارسة نشاطاتهم الاستثمارية المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، في ذلك ظل احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها.
وتشمل هذه الحرية المتاحة لكل من المستثمر الوطني والأجنبي: حرية اختيار مكان ممارسة النشاط ومدته، وحرية اختيار نوع النشاط الاقتصادي الممارس، والشكل القانوني للمشروع الاستثماري، وحرية اختيار أنواع ومقدار الأموال والأصول المستخدمة لإنجاز المشروع، وحرية اختيار طرق التسويق...إلخ
إن قياس حرية الاستثمار في دولة ما، يعتمد على معيارين أساسيين يصطلح عليهما بالمؤشرات التنظيمية والمالية لقياس حرية الاستثمار وهما: التخلي عن نظام الاعتماد والترخيص المسبق من الناحية التنظيمية، إضافة إلى منح حرية الحركة لرؤوس الأموال الخاصة.
المطلب الثالث: القيود الواردة على مبدأ حرية الاستثمار
طبقا لمضمون المادة 61 من الدستور لا يعد مبدأ حرّية الاستثمار مبدأ مطلقا بل نسبيا إذ يجب أن يمارس في إطار القانون وهو ما تعزّزه المادة 15 من القانون 22-18 التي تنص على أنه:" يجب على المستثمر أن يلتزم بما يأتي:
– الســهر على احترام التشريع المـعمول به والمعايير، لاسيما منها تلك المتعلقة بحماية البيئة، والصحة العمومية، والمـــنافسة، والعــمـــل، وشـــفـافية المعلومات المحاسبية والجبائية والمالية".
ويستخلص من مضمون هذه المادة أنّ المشرّع الجزائري قد اعترف بمبدأ حرية الاستثمار من جهة، لكنه في المقابل قيّده بضرورة احترام التشريع والتنظيم المتعلق بالقوانين الواردة أعلاه، لذا ينبغي على المستثمر مراعاة أحكام هذه القوانين، وذلك على النحو التالي:
1. قانون حماية البيئة:
ألزم المشرع بموجب المادة 15 من القانون 22-18 كل مستثمر بإحترام التشريعات والمعايير المتعلقة بحماية البيئة حتى لا تشكل مشاريعهم الاستثمارية خطرا على البيئة، ويعد هذا التدخل من قبل المشرع بمثابة قيد صريح يحد من حرية الاستثمار بهدف حماية البيئة.
كما أكدت المادة 02 من ذات القانون على أن تنجز المشاريع الاستثمارية في الجزائر في إطار التنمية المستدامة من خلال تأكيدها على ضرورة ضمان تنمية إقليمية مستدامة ومتوازنة كأحد أهداف القانون 22-18، ويقصد بالتنمية المستدامة حسب المادة 04/4 من القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة المعدل والمتمم :" التوفيق بين تنمية إجتماعية واقتصادية قابلة للاستمرار وحماية البيئة، أي إدراج البعد البيئي في إطار تنمية تضمن تلبية حاجيات الأجيال الحاضرة والأجيال المستقبلية."
تأسيسا على ذلك، يتضح تكريس المشرع لحرية الاستثمار مع ضرورة مراعاة مبدأ الحيطة البيئي الذي يقتضي توفر المعارف والتقنيات الحديثة أثناء إنجاز واستغلال المشروع الاستثماري، وذلك من خلال مراعاة البعد البيئي في كل النشاطات التي تؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، ومن أبرز هذه النشاطات: قطاع المناجم والمحروقات والموارد المائية (تحلية مياه البحر و نزع المعادن من البحار) وقطاع الكهرباء والغاز...
لذلك غالبا ما تخضع هذه النشاطات قبل ممارستها إلى نظام الترخيص أو التصريح المسبق، فإذا تمت ممارستها بشكل غير مطابق للمقاييس القانونية البيئية، يتم سحب الترخيص من المستثمر كجزاء إداري، أو توجيه إليه إخطار لاتخاذ التدابير اللازمة لجعل نشاطه مطابق للمقاييس المعمول بها، وفي حالة عدم اتخاذه لهذه التدابير يتم توقيف نشاطه المتسبب بالتلوث مؤقتا، هذا فضلا عن العقوبات المالية التي توقع عليه وفقا لأحكام القانون 03-10 المعدل والمتمم المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.
إضافة على ذلك، حرص المشرع بموجب المادة 15 من القانون 03-10 المعدل والمتمم المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، على إخضاع المشاريع الاستثمارية لإجراء وقائي يسمى بـ "دراسة التأثير على البيئة" وهي دراسة علمية وقانونية تسبق إنجاز المشروع بهدف التعرف في الوقت الملائم على تأثيرات عملية الاستثمار المباشرة أو غير المباشرة على الوسط البيئي وخاصة على التراث الثقافي وعلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتقييم هذه الآثار، والتحقق من التكفل بالتعليقات المتعلقة بحماية البيئة في إطار المشروع المهني.
ونظرا لاختلاف تأثيرات المشاريع الاستثمارية على البيئة، ميز المشرع بين المشاريع التي تخضع لدراسة تأثير وبين المشاريع التي تخضع فقط لموجز التأثير، ولا يمكن المباشرة في إحدى هذه المشاريع إلا بعد الحصول على الموافقة على موجز أو دراسة التأثير من طرف السلطات المختصة، وحتى بعد منح المستثمر هذه الموافقة تستمر المصالح المكلفة بالبيئة المختصة إقليميا بمراقبة ومتابعة المشاريع التي كانت محل دراسة أو موجز تأثير.
2. قانون الصحة:
كرس القانون 18-11 المتعلق بالصحة المعدل والمتمم[1]، مجموعة من الحقوق والواجبات المتعلقة بحماية الصحة وترقيتها، حيث أولى اهتماما للرعاية الجسمية والمعنوية للإنسان، واعتبر ذلك عاملا أساسيا في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وهذا ما سعى المشرع من خلال تطبيق نصوص هذا القانون، بغية الوصول إلى حماية الإنسان من الأمراض والأخطار وتحسين ظروف المعيشة والعمل، وهذا ما يظهر جليا من مضمون المادة 09 منه التي تنص على ما يلي: "تهدف حماية الصحة وترقيتها إلى ضمان حماية المستهلك والبيئة وحفظ الصحة وسلامة المحيط وإطار المعيشة والعمل".
3. قانون المنافسة:
حدد المشرع أهداف الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم[2] بموجب المادة 01 منه فيما يلي:
- تحديد شروط ممارسة المنافسة في السوق (مبادئ المنافسة الحرة) والمتمثلة في: مبدأ حرية الأسعار، حظر أو منع الممارسات المقيدة للمنافسة، مراقبة التجميعات الاقتصادية.
- تحقيق الفعالية الاقتصادية وتحسين ظروف معيشة المستهلكين وعليه، ينبغي على المستثمر عدم مخالفة هذه المبادئ عند ممارسة مشروعه الاستثماري.
4. قانون العمل:
يحدد قانون العمل بصورة أساسية في علاقة العمل الفردية القائمة على عقد العمل المنظمة بموجب القانون 11-90 المتعلق بعلاقات العمل الفردية المعدل والمتمم[3]، وقد سعى المشرع الجزائري من خلاله إلى تكريس حماية للعامل باعتباره الطرف الضعيف في علاقة العمل، وذلك بالتدخل من أجل ضمان أجر عادل يهدف إلى حماية القدرة الشرائية للعمال ورفعها من خلال نظام حماية الأجور، مع مراعاة حماية النشاط الاقتصادي للمؤسسة المستخدمة، وكذا ضمان حقوق العمال الأساسية في العطلة والتأمين والسلامة الجسدية والمعنوية والترقية والاستقالة والتقاعد...إلخ
5. شفافية المعلومات المحاسبية والجبائية والمالية: يجب على المستثمر الإفصاح عن المعلومات المحاسبية والجبائية والمالية بشفافية دون لبس أو تضليل، وأن يقدم معلومات وبيانات واضحة ودقيقة وحقيقية عن الوضعية المالية لمؤسسته أو مشروعه الاستثماري.
المبحث الثاني: مبدأ المساواة في التعامل مع الاستثمارات
من الضمانات القانونية التي تشكل حافزا للمستثمر الأجنبي هو المساواة في المعاملة بينه وبين المستثمر الوطني، تكريسا لذلك نص القانون 22-18 في مادته 2/03 على مبدأ:"...المساواة في التعامل مع الاستثمارات"، ويقصد بهذا المبدأ أن الدولة تعامل المشاريع الاستثمارية المقدمة من طرف المستثمر الأجنبي بنفس المعاملة التي تعامل بها المستثمر الجزائري دون أي تمييز بينهم، كما تمنح لهم نفس الحقوق والالتزامات وهذا ما يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، وباعتباره مبدأ دولي أقرته معظم الاتفاقيات الدولية فإن المستثمر يستفيد منه في كل مراحل استثماره.
وعليه، فإنه وفقا لمبدأ المساواة في المعاملة، يتلقى المستثمرون سواء كانوا أشخاص طبيعيون أو معنويون وسواء كانوا وطنيين أو أجانب، معاملة عادلة ومنصفة فيما يخص الحقوق والوجبات المرتبطة باستثماراتهم.
المبحث الثالث: مبدأ الشفافية في التعامل مع الاستثمارات
تكرس هذا المبدأ لأول مرة في القانون الجديد للاستثمار رقم 22-18 في المادة 2/03 منه والتي تنص على ما يلي:" الشفافية...في التعامل مع الاستثمارات" حيث تلزم هذه المادة الدولة بمعاملة كافة المشاريع الاستثمارية المقدمة من طرف المستثمر الأجنبي أو الجزائري وفقا لهذا المبدأ.
يقصد بالشفافية في مجال القانون:" وضوح التشريعات وسهولة فهمها وانسجامها مع بعضها ووضوح صياغتها ومرونتها وفقا للمتغيرات بما يتناسب مع التطورات الحاصلة، وكذلك تبسيط الإجراءات ونشر المعلومات والإفصاح عنها وسهولة الوصول إليها، حتى تكون متاحة للجميع."
وباعتبار أن مصطلح الشفافية يعد نقيضا للسرية والكتمان والغموض، فيمكن القول بأن الشفافية هي حرية تدفق المعلومات بحيث تكون المعلومات في متناول من يهمه الأمر، وعلى هذا فإن الشفافية تعني الوضوح وسهولة الوصول إلى المعلومات من خلال إزاحة كافة السبل والمعوقات التي تعوق المعرفة وحرية المعلومات والحد من السرية إلى أقصى درجة ممكنة، بما لا يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإدارة أو العمل أو المشروع.
وأهم ما يجسد هذا المبدأ في أحكام القانون رقم 22-18 هو استحداث المنصة الرقمية للمستثمر المنصوص عليها في المادة 23 من هذا القانون وكذا المادة 28 من المرسوم التنفيذي رقم 22-298 المؤرخ في 08 سبتمر2022، الذي يحدد تنظيم الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار وسيرها، الأمر الذي يبرز حرص المشرع على التطبيق الفعلي لمبدأ الشفافية في دراسة ملفات الاستثمار بالإضافة إلى تحسين وتسهيل التواصل بين المستثمرين مع الإدارات والهيئات المشرفة على الاستثمار.
الفصل الثاني: الضمانات القانونية الممنوحة للمستثمرين في ظل القانون 22-18
تقتضي سياسية جذب الاستثمارات لاسيما الأجنبية إصدار تشريعات تكرس ضمانات للمستثمرين، ووفقا لأحكام القانون 22-18 تتمثل هذه الضمانات القانونية في:
المبحث الأول: ضمان الثبات التشريعي
كأصل عام يحق لكـل دولـة تعـديل نصوصـها القانونيـة والتنظيمية أو إلغائها بما يحقق المصلحة العامـة، مع سريان هـذا التعـديل أو الإلغاء على كافة الأشخاص المقيمين داخل إقليمها، ومع ذلك أقر المشرع الجزائري بضمان الثبات التشريعي في قانون الاستثمار بهدف تثبيت وتجميد أحكامه من حيث الزمان، وذلك في سبيل منح ضمانات قانونية هامة للمستثمر الوطني والأجنبي قصد تشجيعهم على إنجاز المشاريع الاستثمارية في الجزائر، ومن ثم حمايتهم من كل المخاطر التي تنجم من جراء أي تعديل أو إلغاء محتمل للتشريعات المتعلقة بالاستثمار أو المساس بالتوازن العقدي بالنسبة لعقود الاستثمار.
أولا: تعريف الثبات التشريعي
يقصد بضمان الثبات التشريعي:" التثبيت أو التجميد الزمني للتشريع الساري بالدولة الذي يحكم الاستثمارات المنجزة فيها، من خلال التزام الدولة بعدم تطبيق أي تعديل أو إلغاء عليها"، وهذا ما يؤدي إلى بقاء المستثمر محتفظا بجميع الامتيازات والضمانات التي منحت له في ظل التشريع السابق.
كما يعرف ضمان استقرار القانون المطبق على الاستثمار بأنه:" استقرار التشريع المنظم للإستثمارات بحيث لا يسري عليه أي تعديل أو إلغاء لاحق له يمس بمصالح المستثمرين"، وهو بذلك بمثابة تعطيل مؤقت لحق الدولة في ممارسة اختصاصاها التشريعي والتنظيمي في مجال الاستثمار.
ثانيا: صور الثبات التشريعي
يتخذ الاستقرار التشريعي شكل مبدأ تشريعي، كما يمكن أن يكون في شكل شرط تعاقدي.
1. مبدأ تشريعي: يقصد به ذلك المبدأ الذي يرد في صلب قوانين الدولة والتي بمقتضاها تتعهد بعدم تعديل أو إلغاء أحكامها القانونية الواجبة التطبيق على الاستثمارات المنجزة في ظلها، وقد أكد المشرع الجزائري على مبدأ تجميد النص التشريعي المتعلق بالاستثمار بموجب في قوانين الاستثمار المتعاقبة وكما أكد عليه مرة أخرى بموجب المادة 13 منه والتي تنص على أنه: "لا تسري الآثار الناجمة عن مراجعة أو إلغاء هذا القانون التي قد تطرأ مستقبلا، على الاستثمار المنجز في إطار هذا القانون، إلا إذا طلب المستثمر ذلك صراحة".
باستقراء نص المادة المذكورة يتضح أن الدولة تتعهد للمستثمر بعدم تطبيق التعديلات أو القوانين الجديدة على الاستثمارات المنجزة في ظل القوانين السابقة، على الرغم من حق الدولة في إدخال التعديلات الضرورية على قوانينها أو سن قوانين جديدة تحقيقا لأهدافها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وبذلك فإن الدولة تكون قد قيدت من مجال تدخلها التشريعي في مجال الاستثمار من خلال تكريس هذا المبدأ قصد كسب ثقة المستثمر الوطني والأجنبي، الأمر الذي يتمخض عنه تقليص لسيادتها التشريعية في هذا المجال.
1. شرط الثبات التشريعي:
يتم إدراج هذا المبدأ في شكل شرط في الاتفاقيات المتعلقة بالاستثمار التي تنظم إليها الدولة، وكذا في مختلف العقود التي تبرمها الدولة المضيفة مع المستثمرين الأجانب.
يعرف شرط الثبات التشريعي بأنه: "ذلك الشرط التي تتعهد الدولة بمقتضاه بعدم تطبيق أي تشريع جديد أو تعديل جديد على العقد الذي تبرمه مع المستثمر الأجنبي".
من خلال هذا التعريف، يمكن القول بأن شرط الثبات التشريعي يهدف إلى التجميد الزمني للقانون بالنسبة لعقود الدولة، حيث تتعهد الدولة بمنح المستثمر الأجنبي المتعاقد معها المزايا والضمانات التي منحتها له بنود العقد، مع التعهد باستمرارها حتى في حالة تعديلها لقوانينها أو إلغائها.
وبذلك، يساعد شرط الثبات التشريعي على استقرار العلاقة بين المستثمر الأجنبي والدولة المضيفة له، والذي بموجبه يتفق الطرفان على عدم تطبيق أي إلغاء أو تعديل تشريعي لاحق على العلاقة العقدية بين الطرفين، أو تعويض المستثمر الأجنبي متى التزم بهذا الإلغاء أو التعديل وتسبب له في أضرار اقتصادية.
المبحث الثاني: ضمان حماية حقوق الملكية الفكرية
نصت المادة 09 من القانون 22-18 على هذا الضمان الجديد الذي لم يكرس من قبل سواء بالنسبة للمستثمر الوطني أو الأجنبي، وذلك على النحو التالي: "تضمن الدولة حماية حقوق الملكية الفكرية طبقا للتشريع المعمول به".
تلعب الملكية الفكرية دورا في جوهريا في تطوير مناخ الاستثمار بإعتبارها أحد أهم مقومات تحقيق النمو الاقتصادي، فزيادة وتطوير الابتكارات التكنولوجية والصناعية في القطاعات الاقتصادية يبقى مرهون بنظام قانوني فعال لحماية حقوق الملكية الفكرية، الأمر الذي يشجع المستثمرين على توظيف مبتكراتهم الفنية والصناعية في مجال الاستثمار بما يضمن لهم عدم التعدي عليها.
وتأكيدا على ذلك، نصت المادة 02 من القانون 22-18 التي حددت أهداف هذا القانون في فقرتها 05 على أنه: "...
- إعطاء الأفضلية للتحويل التكنولوجي وتطوير الابتكار واقتصاد المعرفة،..."
من خلال هذه الفقرة يبرز بوضوح اعتبار المشرع للإبداعات والابتكارات التكنولوجية وتطويرها ضمن الأولويات التي يسعى قانون الاستثمار إلى تحقيقها، والتي من شأنها ترقية الإقتصاد الوطني من خلال ترقية المنتوج المحلي وتحسين تنافسيته على مستوى الوطني والدولي.
وعليه، يتضح دعم المشرع الجزائري للإبداعات والابتكارات التكنولوجية والصناعية في القطاعات الاقتصادية من خلال توفير ضمانات تكفل الحماية لحقوق الملكية الفكرية للمستثمرين من التعدي عليها ضمن القوانين المتعلقة بهذه الحقوق، بالإضافة إلى تكريس الضمانات الكفيلة بتشجيع الاستثمار ضمن أحكام قانون 22-18.
وعموما، تتخذ الاستثمارات في مجال حقوق الملكية الفكرية والتي يطلق عليها بــ "الاستثمارات الفكرية" إحدى الصورتين:
الصورة الأولى: الاستثمار الفكري المباشر: وهو الاستثمار الذي يباشره المستثمر المالك للحق الفكري بنفسه من خلال استغلال ابتكاره الفكري في مشروعه الاستثماري بوصفه صاحب الابتكار الفكري وصاحب المشروع الاستثماري، ومن أمثلة ذلك أن يقوم صاحب براءة إختراع باستغلالها وتطبيقها صناعيا في مشروعه الاستثماري.
الصورة الثانية: الاستثمار الفكري غير المباشر: وهو الاستثمار الذي يتنازل عن مباشرته المستثمر المالك للحق الفكري إلى الغير، ويتم هذا التنازل من خلال إبرام عقود أبرزها عقود الترخيص مثال ذلك قيام صاحب براءة إختراع بترخيص استغلالها إلى الغير الذي يقوم بتطبيقها صناعيا في مشروعه الاستثماري لمدة زمنية يتفقان عليها.
المبحث الثالث: ضمان الاستفادة من الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة في إطار عقود الإمتياز (ضمان منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة بصيغة الامتياز بالتراضي قابل للتنازل)
طبقا لنص المادة 06 من القانون 22-18: "يـمـكــن أن تستفيد المشاريع الاستــثمارية القابلة للاستفادة من الأنظمة التحفيزية المنصوص عليها في هذا القانون من أراضٍ تابعة للأملاك الخاصة للدولة."
يقصد بعقد الإمتياز ذلك العقد الذي تمنح بموجبه الدولة لأصحاب الإمتياز الحق في الإنتفاع بقطع أرضية من أجل إنجاز مشاريعهم الإستثمارية مقابل دفع إتاوة إيجارية سنوية.
تبنت الدولة الامتياز كنمط لاستغلال الأراضي التابعة للأملاك الخاصة لها، وقد اعتمدت عليه بموجب الأمر 08-04 المحدد لشروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لانجاز مشاريع استثمارية المعدل والمتمم[4]، حيث كانت صيغة منح الامتياز في هذه المرحلة غير قابل للتنازل ويمنح عن طريق آليتين التراضي والمزاد العلني، ليتم فيما بعد الإبقاء على أسلوب التراضي بموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2011[5]، لكن بصدور قانون المالية التكميلي لسنة 2015[6] أصبح عقد الامتياز قابل للتنازل ويمنح عن طريق آلية وحيدة وهي التراضي، وعلى إثر تعديل المادة 02 من الأمر 08-04 بموجب قانون المالية لسنة 2015 صدر المرسوم التنفيذي 15-281 الذي يحدد شروط وكيفيات منح الامتياز القابل للتحويل إلى تنازل على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لنجاز مشاريع الترقية العقارية ذات الطالع التجاري، وكذا دفتر الشروط النموذجي الذي يحدد البنود والشروط المطبقة في هذا المجال مرفق بدفتر الشروط النموذجي.
وللحد من أزمة العقار الاقتصادي الموجه للإستثمار بادر المشرع الجزائري باستحداث نظام قانوني جديد يتمثل في صدور القانون 23-17 المؤرخ في 15 نوفمبر 2023 الذي يحدد شروط وكيفيات منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة الموجهة للإستثمار الذي ألغى الأمر 08-04 المذكور أعلاه، مع إبقائه على أسلوب منح الامتياز بالتراضي القابل للتنازل، وتتمثل أهم مستجدات هذا القانون في:
- منح الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار عبر شباكها الوحيد وبتفويض من الدولة سلطة منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة لفائدة المستثمرين بصيغة الامتياز بالتراضي قابل للتحويل إلى تنازل وفقا لدفتر أعباء نموذجي يحدد عن طريق التنظيم.
- تقوم الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بالتشاور مع الولاة بتحديد الاستثمارات القابلة للحصول على العقار الاقتصادي مع أخذ بعين الاعتبار خصوصية النشاطات المطورة أو التي سيتم تطويرها على المستوى الوطني والمحلي في إطار الأهداف المسطرة.
- يجب على كـــل شخص طبيعي أو معنوي، وطـــنيا كــان أو أجـــنبيــا، مقيــم أو غــيــر مــقــيــم بمفهوم قانون الاستثمار، يــرغب في الاستفادة من أحكام هذا القانون، القيام بتسجيل طلبه عبر المنصة الرقمية للمستثمر المسيرة من قبل الوكالة وتعتبر هذه المنصة السبيل الوحيد للإيداع.
إن إعتماد المشرع على الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لمنح الإمتياز على العقار الاقتصادي الموجه للإستثمار، يعتبر وسيلة للتوفيق بين مصلحة الدولة في حماية أراضيها من التلاعب والمحافظة عليها بإستغلالها إستغلالا يتوافق والغرض المخصص لها.
علاوة على ذلك، عرف المشرع الجزائري بموجب المادة 1/04 من القانون 23-17 المذكور أعلاه العقار الاقتصادي بأنه: "كل ملك عقاري تابع للأملاك الخاصة للدولة و/أو كل ملك آخر خاص مكتسب من طرف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لفائدة الدولة، قابل لاستقبال مشروع استثماري بمفهوم القانون المتعلق بالاستثمار."
بناء على ذلك، يتمثل العقار الاقتصادي الموجه للاستثمار في: "الحيز المكاني أو الوعاء المُخصص لإنجاز مختلف الإستثمارات ذات الطبيعة الإقتصادية التابع للأملاك الخاصة للدولة و/أو مكتسب من طرف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لفائدة الدولة، سواء كان مبنيا أو غير مبني، مستغلا أو غير مستغل يُضاف له العقارات التي تحوزها المؤسسات العمومية الإقتصادية ".
[1]- القانون رقم 18-11 المؤرخ في 2 يوليو 2018، والمتعلق بالصحة، ج.ر. الصادرة في 29 يوليو 2018، العدد 46، المعدل والمتمم بالأمر رقم 20-02 المؤرخ في 30 أوت 2020، ج.ر. الصادرة في 30 أوت 2020، العدد 50.
[2]- الأمر رقـم 03-03 المؤرخ في 19 جويليـة 2003 المتعلق بالمنافسة، ج.ر. الصـادرة في 20 جويليــة 2003، العــدد 43، المعدل والمتمم بالقانون رقــم 12-08 المؤرخ في 25 جــوان2008 ، ج.ر. الصــادرة في 02 جويليــة 2008، العــدد 36، المعدل والمتمم بالقانون رقــم 05-10 المؤرخ في 15 أوت 2010، ج.ر. الصــادرة في 18 أوت 2010، العــدد .46
[3] - القانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 أبريل سنة 1990 يتعلق بعلاقات العمل، ج.ر. الصادرة في 27 أبريل 1990، العدد 17، المعدل والمتمم بالقانون رقم 22-16 المؤرخ في 20 جويلية 2022، ج.ر. الصادرة في 20 جويلية 2022، العدد 49.
[4] - الأمر رقم 08-04 المؤرخ في 01 سبتمبر 2008، يحدد شروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لانجاز مشاريع استثمارية، ج.ر. الصادرة في 03 سبتمبر 2008، العدد 49، المعدل والمتمم للأمر 06-11 المؤرخ في 30 أوت 2006، يحدد شروط وكيفيات منح الإمتياز والتنازل عن الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لإنجاز مشاريع إستثمارية، ج.ر. الصادرة في 30 أوت 2006، العدد 53.
[5] - القانون رقم 11-11 المؤرخ في 18 يوليو 2011، المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2011، ج.ر. الصادرة في 20 يوليو 2011، العدد 40.
[6] - الأمر رقم 15-01 المؤرخ في 23 يوليو 2015، المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2015، ج.ر. الصادرة في 23 يوليو 2011، العدد
إن التمتع بالامتيازات أو المزايا سالفة الذكر بالرغم من أهميتها كعامل مشجع للاستثمارات، لا يعد كافياً لوحده ما لم تقم الدولة بمنح تسهيلات وتوفير ضمانات تشجع المستثمرين الوطنيين والأجانب على حد السواء، بحيث تزيل عنهم أية مخاوف إزاء المخاطر التي قد تقف حاجزا أمام إنجاز مشاريعهم الاستثمارية، وذلك من خلال التزام الدولة بتقديم الوسائل الكفيلة لتحقيق الأمان القانوني لهؤلاء المستثمرين، من خلال توفير بيئة لهم تشريعية وتنظيمية وحتى اقتصادية، إجتماعية وسياسية.
تأسيسا على ذلك، كرس المشرع الجزائري بموجب القانون 22-18 العديد من الضمانات لمصلحة كل من المستثمرين الوطنيين والأجانب بهدف تحسين المناخ الاستثماري في الجزائر في المواد من 06 إلى 14 من هذا القانون، بالإضافة إلى مختلف الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي أبرمتها الجزائر في مجال الاستثمار وتمت المصادقة عليها، ويمكن تقسيم هذه الضمانات إلى: ضمانات قانونية وضمانات مالية وأخرى قضائية.
علاوة على هذه الضمانات، حرص المشرع الجزائري على تكريس مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها قانون الاستثمار 22-18 بموجب المادة 03 منه، وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: المبادئ القانونية المكرسة للمستثمرين في ظل القانون 22-18
أرسى المشرع الجزائري بموجب المادة 03 من قانون الاستثمار 22-18 مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها هذا القانون، والتي تعد بمثابة ركائز أساسية لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لكل مستثمر، سواء كان وطني أو أجنبي مهما كان شكل مشروعه الاستثماري أو حجم رأسماله أو نوع النشاط الاقتصادي الذي يمارسه، وتتمثل هذه المبادئ في:
المبحث الأول: مبدأ حرية الاستثمار
يعد مبدأ حرية المنافسة و الذي يصطلح عليه دستوريا بـ"حرية التجارة و الاستثمار والمقاولة" ركيزة أساسية في عملية الانفتاح و التحول نحو اقتصاد السوق، و من خلال هذا المبدأ العام تبرز أهمية مبدأ حرية الاستثمار كمبدأ متفرع عنه، لما له من دور كبير في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، و لتحديد مفهوم مبدأ حرية الاستثمار، ينبغي بداية تبيان التكريس الدستوري والقانوني له، ثم تحديد مضمونه والقيود الواردة عليه.
المطلب الأول: التكريس الدستوري والقانوني لمبدأ حرية الاستثمار
لقد كرس الدستور الجزائري صراحة مبدأ حرية الاستثمار بموجب المادة 43 من التعديل الدستوري لسنة 2016، والتي تعتبر أول نص دستوري يكرس صراحة حرية الاستثمار، هذه الحرية التي أكد عليها المشرع في المادة 61 من التعديل الدستوري لسنة 2020.
و بهذا النص يكون المشرع الدستوري قد أضفى حماية كافية لمبدأ حرية الاستثمار ضد كل صور التعدي عليه سواء كانت صادرة من الدولة أو الخواص، واستبعد بذلك كل الحواجز والعوائق التي تحول دون قيام المؤسسات الوطنية والأجنبية بالمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية بعدما كانت حكراً على المؤسسات العمومية قبل مرحلة الانفتاح الاقتصادي.
بالنسبة للتكريس القانوني لمبدأ حرية الاستثمار فقد سبق من حيث صدوره التكريس الدستوري لهذا المبدأ في 2022، حيث أصدر المشرع الجزائري في 05 أكتوبر 1993 أول نص قانوني يكرّس بصفة صريحة مبدأ حرية الاستثمار وهو المرسوم التشريعي 93-12 المتعلق بترقية الاستثمار بموجب المادة 1/03 منه التي نصت على أنه:" تنجز الاستثمارات بكل حرية..."، وقد أكد على هذا التكريس في 20 أوت 2001 الأمر 01-03 المتعلق بتطوير الاستثمار في المادة 1/04 منه التي نصت على أنه:" تنجز الاستثمارات في حرية تامة...".
نفس المبدأ أكده القانون 16-09 المتعلق بترقية الاستثمار الصادر في 03 أوت 2016 في المادة 03 منه التي تنص على أنه:" تنجز الاستثمارات المذكورة في أحكام هذا القانون في ظل احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها..."
علاوة على ذلك، حدد القانون الجديد 22-18 مبادئه الأساسية في المادة 03 منه التي عرفت لأول مرة مبدأ حرية الاستثمار في فقرتها 01 على النحو التالي: "حـريـة الاستـثـمار : كـــل شخص طبيعي أو معنوي، وطـــنيا كــان أو أجـــنبيــا، مقيــم أو غــيــر مــقــيــم، يــرغب في الاستثــمـــار، هـــو حـــر في اختيار استثــمــاره وذلك في ظــل احترام التشريع والتنظيم المعمول بهما".
وعليه، فإنه تطبيقا لهذا التكريس الدستوري والقانوني لمبدأ حرية الاستثمار يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي وطني أو أجنبي أن يمارس النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع والخدمات، شريطة احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها، سواء تلك المنجزة في شكل: استثمارات الإنشاء أو توسيع قدرات الإنتاج و/أو إعادة تأهيل أدوات الإنتاج، أو عن طريق المساهمة النقدية أو العينية في رأس مال مؤسسة أو نقل أنشطة من الخارج، والتي لا تكون محل استثناء من المزايا، أي غير الواردة في القوائم السلبية المحددة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 22-300 سالف الذكر.
المطلب الثاني: تحديد مضمون مبدأ حرية الاستثمار
يقصد بمبدأ حرية الاستثمار:" حرية الأشخاص الطبيعيين والمعنويين سواء كانوا وطنيين أو أجانب في ممارسة النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع و الخدمات المنجزة في إطار الاستثمارات المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، بغرض الاستفادة من المزايا والضمانات التي يقررها قانون الاستثمار"، وذلك بالنظر لدوره المهم في تحقيق التنمية الاقتصادية للدولة.
بمعنى آخر حرية الأشخاص في انجاز استثمارات الإنشاء توسيع قدرات الإنتاج و/أو إعادة تأهيل أدوات الإنتاج، أو عن طريق المساهمة النقدية أو العينية في رأس مال مؤسسة أو نقل أنشطة من الخارج، لممارسة نشاطاتهم الاستثمارية المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، في ذلك ظل احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها.
وتشمل هذه الحرية المتاحة لكل من المستثمر الوطني والأجنبي: حرية اختيار مكان ممارسة النشاط ومدته، وحرية اختيار نوع النشاط الاقتصادي الممارس، والشكل القانوني للمشروع الاستثماري، وحرية اختيار أنواع ومقدار الأموال والأصول المستخدمة لإنجاز المشروع، وحرية اختيار طرق التسويق...إلخ
إن قياس حرية الاستثمار في دولة ما، يعتمد على معيارين أساسيين يصطلح عليهما بالمؤشرات التنظيمية والمالية لقياس حرية الاستثمار وهما: التخلي عن نظام الاعتماد والترخيص المسبق من الناحية التنظيمية، إضافة إلى منح حرية الحركة لرؤوس الأموال الخاصة.
المطلب الثالث: القيود الواردة على مبدأ حرية الاستثمار
طبقا لمضمون المادة 61 من الدستور لا يعد مبدأ حرّية الاستثمار مبدأ مطلقا بل نسبيا إذ يجب أن يمارس في إطار القانون وهو ما تعزّزه المادة 15 من القانون 22-18 التي تنص على أنه:" يجب على المستثمر أن يلتزم بما يأتي:
– الســهر على احترام التشريع المـعمول به والمعايير، لاسيما منها تلك المتعلقة بحماية البيئة، والصحة العمومية، والمـــنافسة، والعــمـــل، وشـــفـافية المعلومات المحاسبية والجبائية والمالية".
ويستخلص من مضمون هذه المادة أنّ المشرّع الجزائري قد اعترف بمبدأ حرية الاستثمار من جهة، لكنه في المقابل قيّده بضرورة احترام التشريع والتنظيم المتعلق بالقوانين الواردة أعلاه، لذا ينبغي على المستثمر مراعاة أحكام هذه القوانين، وذلك على النحو التالي:
1. قانون حماية البيئة:
ألزم المشرع بموجب المادة 15 من القانون 22-18 كل مستثمر بإحترام التشريعات والمعايير المتعلقة بحماية البيئة حتى لا تشكل مشاريعهم الاستثمارية خطرا على البيئة، ويعد هذا التدخل من قبل المشرع بمثابة قيد صريح يحد من حرية الاستثمار بهدف حماية البيئة.
كما أكدت المادة 02 من ذات القانون على أن تنجز المشاريع الاستثمارية في الجزائر في إطار التنمية المستدامة من خلال تأكيدها على ضرورة ضمان تنمية إقليمية مستدامة ومتوازنة كأحد أهداف القانون 22-18، ويقصد بالتنمية المستدامة حسب المادة 04/4 من القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة المعدل والمتمم :" التوفيق بين تنمية إجتماعية واقتصادية قابلة للاستمرار وحماية البيئة، أي إدراج البعد البيئي في إطار تنمية تضمن تلبية حاجيات الأجيال الحاضرة والأجيال المستقبلية."
تأسيسا على ذلك، يتضح تكريس المشرع لحرية الاستثمار مع ضرورة مراعاة مبدأ الحيطة البيئي الذي يقتضي توفر المعارف والتقنيات الحديثة أثناء إنجاز واستغلال المشروع الاستثماري، وذلك من خلال مراعاة البعد البيئي في كل النشاطات التي تؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، ومن أبرز هذه النشاطات: قطاع المناجم والمحروقات والموارد المائية (تحلية مياه البحر و نزع المعادن من البحار) وقطاع الكهرباء والغاز...
لذلك غالبا ما تخضع هذه النشاطات قبل ممارستها إلى نظام الترخيص أو التصريح المسبق، فإذا تمت ممارستها بشكل غير مطابق للمقاييس القانونية البيئية، يتم سحب الترخيص من المستثمر كجزاء إداري، أو توجيه إليه إخطار لاتخاذ التدابير اللازمة لجعل نشاطه مطابق للمقاييس المعمول بها، وفي حالة عدم اتخاذه لهذه التدابير يتم توقيف نشاطه المتسبب بالتلوث مؤقتا، هذا فضلا عن العقوبات المالية التي توقع عليه وفقا لأحكام القانون 03-10 المعدل والمتمم المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.
إضافة على ذلك، حرص المشرع بموجب المادة 15 من القانون 03-10 المعدل والمتمم المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، على إخضاع المشاريع الاستثمارية لإجراء وقائي يسمى بـ "دراسة التأثير على البيئة" وهي دراسة علمية وقانونية تسبق إنجاز المشروع بهدف التعرف في الوقت الملائم على تأثيرات عملية الاستثمار المباشرة أو غير المباشرة على الوسط البيئي وخاصة على التراث الثقافي وعلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتقييم هذه الآثار، والتحقق من التكفل بالتعليقات المتعلقة بحماية البيئة في إطار المشروع المهني.
ونظرا لاختلاف تأثيرات المشاريع الاستثمارية على البيئة، ميز المشرع بين المشاريع التي تخضع لدراسة تأثير وبين المشاريع التي تخضع فقط لموجز التأثير، ولا يمكن المباشرة في إحدى هذه المشاريع إلا بعد الحصول على الموافقة على موجز أو دراسة التأثير من طرف السلطات المختصة، وحتى بعد منح المستثمر هذه الموافقة تستمر المصالح المكلفة بالبيئة المختصة إقليميا بمراقبة ومتابعة المشاريع التي كانت محل دراسة أو موجز تأثير.
2. قانون الصحة:
كرس القانون 18-11 المتعلق بالصحة المعدل والمتمم[1]، مجموعة من الحقوق والواجبات المتعلقة بحماية الصحة وترقيتها، حيث أولى اهتماما للرعاية الجسمية والمعنوية للإنسان، واعتبر ذلك عاملا أساسيا في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وهذا ما سعى المشرع من خلال تطبيق نصوص هذا القانون، بغية الوصول إلى حماية الإنسان من الأمراض والأخطار وتحسين ظروف المعيشة والعمل، وهذا ما يظهر جليا من مضمون المادة 09 منه التي تنص على ما يلي: "تهدف حماية الصحة وترقيتها إلى ضمان حماية المستهلك والبيئة وحفظ الصحة وسلامة المحيط وإطار المعيشة والعمل".
3. قانون المنافسة:
حدد المشرع أهداف الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم[2] بموجب المادة 01 منه فيما يلي:
- تحديد شروط ممارسة المنافسة في السوق (مبادئ المنافسة الحرة) والمتمثلة في: مبدأ حرية الأسعار، حظر أو منع الممارسات المقيدة للمنافسة، مراقبة التجميعات الاقتصادية.
- تحقيق الفعالية الاقتصادية وتحسين ظروف معيشة المستهلكين وعليه، ينبغي على المستثمر عدم مخالفة هذه المبادئ عند ممارسة مشروعه الاستثماري.
4. قانون العمل:
يحدد قانون العمل بصورة أساسية في علاقة العمل الفردية القائمة على عقد العمل المنظمة بموجب القانون 11-90 المتعلق بعلاقات العمل الفردية المعدل والمتمم[3]، وقد سعى المشرع الجزائري من خلاله إلى تكريس حماية للعامل باعتباره الطرف الضعيف في علاقة العمل، وذلك بالتدخل من أجل ضمان أجر عادل يهدف إلى حماية القدرة الشرائية للعمال ورفعها من خلال نظام حماية الأجور، مع مراعاة حماية النشاط الاقتصادي للمؤسسة المستخدمة، وكذا ضمان حقوق العمال الأساسية في العطلة والتأمين والسلامة الجسدية والمعنوية والترقية والاستقالة والتقاعد...إلخ
5. شفافية المعلومات المحاسبية والجبائية والمالية: يجب على المستثمر الإفصاح عن المعلومات المحاسبية والجبائية والمالية بشفافية دون لبس أو تضليل، وأن يقدم معلومات وبيانات واضحة ودقيقة وحقيقية عن الوضعية المالية لمؤسسته أو مشروعه الاستثماري.
المبحث الثاني: مبدأ المساواة في التعامل مع الاستثمارات
من الضمانات القانونية التي تشكل حافزا للمستثمر الأجنبي هو المساواة في المعاملة بينه وبين المستثمر الوطني، تكريسا لذلك نص القانون 22-18 في مادته 2/03 على مبدأ:"...المساواة في التعامل مع الاستثمارات"، ويقصد بهذا المبدأ أن الدولة تعامل المشاريع الاستثمارية المقدمة من طرف المستثمر الأجنبي بنفس المعاملة التي تعامل بها المستثمر الجزائري دون أي تمييز بينهم، كما تمنح لهم نفس الحقوق والالتزامات وهذا ما يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، وباعتباره مبدأ دولي أقرته معظم الاتفاقيات الدولية فإن المستثمر يستفيد منه في كل مراحل استثماره.
وعليه، فإنه وفقا لمبدأ المساواة في المعاملة، يتلقى المستثمرون سواء كانوا أشخاص طبيعيون أو معنويون وسواء كانوا وطنيين أو أجانب، معاملة عادلة ومنصفة فيما يخص الحقوق والوجبات المرتبطة باستثماراتهم.
المبحث الثالث: مبدأ الشفافية في التعامل مع الاستثمارات
تكرس هذا المبدأ لأول مرة في القانون الجديد للاستثمار رقم 22-18 في المادة 2/03 منه والتي تنص على ما يلي:" الشفافية...في التعامل مع الاستثمارات" حيث تلزم هذه المادة الدولة بمعاملة كافة المشاريع الاستثمارية المقدمة من طرف المستثمر الأجنبي أو الجزائري وفقا لهذا المبدأ.
يقصد بالشفافية في مجال القانون:" وضوح التشريعات وسهولة فهمها وانسجامها مع بعضها ووضوح صياغتها ومرونتها وفقا للمتغيرات بما يتناسب مع التطورات الحاصلة، وكذلك تبسيط الإجراءات ونشر المعلومات والإفصاح عنها وسهولة الوصول إليها، حتى تكون متاحة للجميع."
وباعتبار أن مصطلح الشفافية يعد نقيضا للسرية والكتمان والغموض، فيمكن القول بأن الشفافية هي حرية تدفق المعلومات بحيث تكون المعلومات في متناول من يهمه الأمر، وعلى هذا فإن الشفافية تعني الوضوح وسهولة الوصول إلى المعلومات من خلال إزاحة كافة السبل والمعوقات التي تعوق المعرفة وحرية المعلومات والحد من السرية إلى أقصى درجة ممكنة، بما لا يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإدارة أو العمل أو المشروع.
وأهم ما يجسد هذا المبدأ في أحكام القانون رقم 22-18 هو استحداث المنصة الرقمية للمستثمر المنصوص عليها في المادة 23 من هذا القانون وكذا المادة 28 من المرسوم التنفيذي رقم 22-298 المؤرخ في 08 سبتمر2022، الذي يحدد تنظيم الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار وسيرها، الأمر الذي يبرز حرص المشرع على التطبيق الفعلي لمبدأ الشفافية في دراسة ملفات الاستثمار بالإضافة إلى تحسين وتسهيل التواصل بين المستثمرين مع الإدارات والهيئات المشرفة على الاستثمار.
الفصل الثاني: الضمانات القانونية الممنوحة للمستثمرين في ظل القانون 22-18
تقتضي سياسية جذب الاستثمارات لاسيما الأجنبية إصدار تشريعات تكرس ضمانات للمستثمرين، ووفقا لأحكام القانون 22-18 تتمثل هذه الضمانات القانونية في:
المبحث الأول: ضمان الثبات التشريعي
كأصل عام يحق لكـل دولـة تعـديل نصوصـها القانونيـة والتنظيمية أو إلغائها بما يحقق المصلحة العامـة، مع سريان هـذا التعـديل أو الإلغاء على كافة الأشخاص المقيمين داخل إقليمها، ومع ذلك أقر المشرع الجزائري بضمان الثبات التشريعي في قانون الاستثمار بهدف تثبيت وتجميد أحكامه من حيث الزمان، وذلك في سبيل منح ضمانات قانونية هامة للمستثمر الوطني والأجنبي قصد تشجيعهم على إنجاز المشاريع الاستثمارية في الجزائر، ومن ثم حمايتهم من كل المخاطر التي تنجم من جراء أي تعديل أو إلغاء محتمل للتشريعات المتعلقة بالاستثمار أو المساس بالتوازن العقدي بالنسبة لعقود الاستثمار.
أولا: تعريف الثبات التشريعي
يقصد بضمان الثبات التشريعي:" التثبيت أو التجميد الزمني للتشريع الساري بالدولة الذي يحكم الاستثمارات المنجزة فيها، من خلال التزام الدولة بعدم تطبيق أي تعديل أو إلغاء عليها"، وهذا ما يؤدي إلى بقاء المستثمر محتفظا بجميع الامتيازات والضمانات التي منحت له في ظل التشريع السابق.
كما يعرف ضمان استقرار القانون المطبق على الاستثمار بأنه:" استقرار التشريع المنظم للإستثمارات بحيث لا يسري عليه أي تعديل أو إلغاء لاحق له يمس بمصالح المستثمرين"، وهو بذلك بمثابة تعطيل مؤقت لحق الدولة في ممارسة اختصاصاها التشريعي والتنظيمي في مجال الاستثمار.
ثانيا: صور الثبات التشريعي
يتخذ الاستقرار التشريعي شكل مبدأ تشريعي، كما يمكن أن يكون في شكل شرط تعاقدي.
1. مبدأ تشريعي: يقصد به ذلك المبدأ الذي يرد في صلب قوانين الدولة والتي بمقتضاها تتعهد بعدم تعديل أو إلغاء أحكامها القانونية الواجبة التطبيق على الاستثمارات المنجزة في ظلها، وقد أكد المشرع الجزائري على مبدأ تجميد النص التشريعي المتعلق بالاستثمار بموجب في قوانين الاستثمار المتعاقبة وكما أكد عليه مرة أخرى بموجب المادة 13 منه والتي تنص على أنه: "لا تسري الآثار الناجمة عن مراجعة أو إلغاء هذا القانون التي قد تطرأ مستقبلا، على الاستثمار المنجز في إطار هذا القانون، إلا إذا طلب المستثمر ذلك صراحة".
باستقراء نص المادة المذكورة يتضح أن الدولة تتعهد للمستثمر بعدم تطبيق التعديلات أو القوانين الجديدة على الاستثمارات المنجزة في ظل القوانين السابقة، على الرغم من حق الدولة في إدخال التعديلات الضرورية على قوانينها أو سن قوانين جديدة تحقيقا لأهدافها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وبذلك فإن الدولة تكون قد قيدت من مجال تدخلها التشريعي في مجال الاستثمار من خلال تكريس هذا المبدأ قصد كسب ثقة المستثمر الوطني والأجنبي، الأمر الذي يتمخض عنه تقليص لسيادتها التشريعية في هذا المجال.
1. شرط الثبات التشريعي:
يتم إدراج هذا المبدأ في شكل شرط في الاتفاقيات المتعلقة بالاستثمار التي تنظم إليها الدولة، وكذا في مختلف العقود التي تبرمها الدولة المضيفة مع المستثمرين الأجانب.
يعرف شرط الثبات التشريعي بأنه: "ذلك الشرط التي تتعهد الدولة بمقتضاه بعدم تطبيق أي تشريع جديد أو تعديل جديد على العقد الذي تبرمه مع المستثمر الأجنبي".
من خلال هذا التعريف، يمكن القول بأن شرط الثبات التشريعي يهدف إلى التجميد الزمني للقانون بالنسبة لعقود الدولة، حيث تتعهد الدولة بمنح المستثمر الأجنبي المتعاقد معها المزايا والضمانات التي منحتها له بنود العقد، مع التعهد باستمرارها حتى في حالة تعديلها لقوانينها أو إلغائها.
وبذلك، يساعد شرط الثبات التشريعي على استقرار العلاقة بين المستثمر الأجنبي والدولة المضيفة له، والذي بموجبه يتفق الطرفان على عدم تطبيق أي إلغاء أو تعديل تشريعي لاحق على العلاقة العقدية بين الطرفين، أو تعويض المستثمر الأجنبي متى التزم بهذا الإلغاء أو التعديل وتسبب له في أضرار اقتصادية.
المبحث الثاني: ضمان حماية حقوق الملكية الفكرية
نصت المادة 09 من القانون 22-18 على هذا الضمان الجديد الذي لم يكرس من قبل سواء بالنسبة للمستثمر الوطني أو الأجنبي، وذلك على النحو التالي: "تضمن الدولة حماية حقوق الملكية الفكرية طبقا للتشريع المعمول به".
تلعب الملكية الفكرية دورا في جوهريا في تطوير مناخ الاستثمار بإعتبارها أحد أهم مقومات تحقيق النمو الاقتصادي، فزيادة وتطوير الابتكارات التكنولوجية والصناعية في القطاعات الاقتصادية يبقى مرهون بنظام قانوني فعال لحماية حقوق الملكية الفكرية، الأمر الذي يشجع المستثمرين على توظيف مبتكراتهم الفنية والصناعية في مجال الاستثمار بما يضمن لهم عدم التعدي عليها.
وتأكيدا على ذلك، نصت المادة 02 من القانون 22-18 التي حددت أهداف هذا القانون في فقرتها 05 على أنه: "...
- إعطاء الأفضلية للتحويل التكنولوجي وتطوير الابتكار واقتصاد المعرفة،..."
من خلال هذه الفقرة يبرز بوضوح اعتبار المشرع للإبداعات والابتكارات التكنولوجية وتطويرها ضمن الأولويات التي يسعى قانون الاستثمار إلى تحقيقها، والتي من شأنها ترقية الإقتصاد الوطني من خلال ترقية المنتوج المحلي وتحسين تنافسيته على مستوى الوطني والدولي.
وعليه، يتضح دعم المشرع الجزائري للإبداعات والابتكارات التكنولوجية والصناعية في القطاعات الاقتصادية من خلال توفير ضمانات تكفل الحماية لحقوق الملكية الفكرية للمستثمرين من التعدي عليها ضمن القوانين المتعلقة بهذه الحقوق، بالإضافة إلى تكريس الضمانات الكفيلة بتشجيع الاستثمار ضمن أحكام قانون 22-18.
وعموما، تتخذ الاستثمارات في مجال حقوق الملكية الفكرية والتي يطلق عليها بــ "الاستثمارات الفكرية" إحدى الصورتين:
الصورة الأولى: الاستثمار الفكري المباشر: وهو الاستثمار الذي يباشره المستثمر المالك للحق الفكري بنفسه من خلال استغلال ابتكاره الفكري في مشروعه الاستثماري بوصفه صاحب الابتكار الفكري وصاحب المشروع الاستثماري، ومن أمثلة ذلك أن يقوم صاحب براءة إختراع باستغلالها وتطبيقها صناعيا في مشروعه الاستثماري.
الصورة الثانية: الاستثمار الفكري غير المباشر: وهو الاستثمار الذي يتنازل عن مباشرته المستثمر المالك للحق الفكري إلى الغير، ويتم هذا التنازل من خلال إبرام عقود أبرزها عقود الترخيص مثال ذلك قيام صاحب براءة إختراع بترخيص استغلالها إلى الغير الذي يقوم بتطبيقها صناعيا في مشروعه الاستثماري لمدة زمنية يتفقان عليها.
المبحث الثالث: ضمان الاستفادة من الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة في إطار عقود الإمتياز (ضمان منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة بصيغة الامتياز بالتراضي قابل للتنازل)
طبقا لنص المادة 06 من القانون 22-18: "يـمـكــن أن تستفيد المشاريع الاستــثمارية القابلة للاستفادة من الأنظمة التحفيزية المنصوص عليها في هذا القانون من أراضٍ تابعة للأملاك الخاصة للدولة."
يقصد بعقد الإمتياز ذلك العقد الذي تمنح بموجبه الدولة لأصحاب الإمتياز الحق في الإنتفاع بقطع أرضية من أجل إنجاز مشاريعهم الإستثمارية مقابل دفع إتاوة إيجارية سنوية.
تبنت الدولة الامتياز كنمط لاستغلال الأراضي التابعة للأملاك الخاصة لها، وقد اعتمدت عليه بموجب الأمر 08-04 المحدد لشروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لانجاز مشاريع استثمارية المعدل والمتمم[4]، حيث كانت صيغة منح الامتياز في هذه المرحلة غير قابل للتنازل ويمنح عن طريق آليتين التراضي والمزاد العلني، ليتم فيما بعد الإبقاء على أسلوب التراضي بموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2011[5]، لكن بصدور قانون المالية التكميلي لسنة 2015[6] أصبح عقد الامتياز قابل للتنازل ويمنح عن طريق آلية وحيدة وهي التراضي، وعلى إثر تعديل المادة 02 من الأمر 08-04 بموجب قانون المالية لسنة 2015 صدر المرسوم التنفيذي 15-281 الذي يحدد شروط وكيفيات منح الامتياز القابل للتحويل إلى تنازل على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لنجاز مشاريع الترقية العقارية ذات الطالع التجاري، وكذا دفتر الشروط النموذجي الذي يحدد البنود والشروط المطبقة في هذا المجال مرفق بدفتر الشروط النموذجي.
وللحد من أزمة العقار الاقتصادي الموجه للإستثمار بادر المشرع الجزائري باستحداث نظام قانوني جديد يتمثل في صدور القانون 23-17 المؤرخ في 15 نوفمبر 2023 الذي يحدد شروط وكيفيات منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة الموجهة للإستثمار الذي ألغى الأمر 08-04 المذكور أعلاه، مع إبقائه على أسلوب منح الامتياز بالتراضي القابل للتنازل، وتتمثل أهم مستجدات هذا القانون في:
- منح الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار عبر شباكها الوحيد وبتفويض من الدولة سلطة منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة لفائدة المستثمرين بصيغة الامتياز بالتراضي قابل للتحويل إلى تنازل وفقا لدفتر أعباء نموذجي يحدد عن طريق التنظيم.
- تقوم الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بالتشاور مع الولاة بتحديد الاستثمارات القابلة للحصول على العقار الاقتصادي مع أخذ بعين الاعتبار خصوصية النشاطات المطورة أو التي سيتم تطويرها على المستوى الوطني والمحلي في إطار الأهداف المسطرة.
- يجب على كـــل شخص طبيعي أو معنوي، وطـــنيا كــان أو أجـــنبيــا، مقيــم أو غــيــر مــقــيــم بمفهوم قانون الاستثمار، يــرغب في الاستفادة من أحكام هذا القانون، القيام بتسجيل طلبه عبر المنصة الرقمية للمستثمر المسيرة من قبل الوكالة وتعتبر هذه المنصة السبيل الوحيد للإيداع.
إن إعتماد المشرع على الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لمنح الإمتياز على العقار الاقتصادي الموجه للإستثمار، يعتبر وسيلة للتوفيق بين مصلحة الدولة في حماية أراضيها من التلاعب والمحافظة عليها بإستغلالها إستغلالا يتوافق والغرض المخصص لها.
علاوة على ذلك، عرف المشرع الجزائري بموجب المادة 1/04 من القانون 23-17 المذكور أعلاه العقار الاقتصادي بأنه: "كل ملك عقاري تابع للأملاك الخاصة للدولة و/أو كل ملك آخر خاص مكتسب من طرف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لفائدة الدولة، قابل لاستقبال مشروع استثماري بمفهوم القانون المتعلق بالاستثمار."
بناء على ذلك، يتمثل العقار الاقتصادي الموجه للاستثمار في: "الحيز المكاني أو الوعاء المُخصص لإنجاز مختلف الإستثمارات ذات الطبيعة الإقتصادية التابع للأملاك الخاصة للدولة و/أو مكتسب من طرف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لفائدة الدولة، سواء كان مبنيا أو غير مبني، مستغلا أو غير مستغل يُضاف له العقارات التي تحوزها المؤسسات العمومية الإقتصادية ".
[1]- القانون رقم 18-11 المؤرخ في 2 يوليو 2018، والمتعلق بالصحة، ج.ر. الصادرة في 29 يوليو 2018، العدد 46، المعدل والمتمم بالأمر رقم 20-02 المؤرخ في 30 أوت 2020، ج.ر. الصادرة في 30 أوت 2020، العدد 50.
[2]- الأمر رقـم 03-03 المؤرخ في 19 جويليـة 2003 المتعلق بالمنافسة، ج.ر. الصـادرة في 20 جويليــة 2003، العــدد 43، المعدل والمتمم بالقانون رقــم 12-08 المؤرخ في 25 جــوان2008 ، ج.ر. الصــادرة في 02 جويليــة 2008، العــدد 36، المعدل والمتمم بالقانون رقــم 05-10 المؤرخ في 15 أوت 2010، ج.ر. الصــادرة في 18 أوت 2010، العــدد .46
[3] - القانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 أبريل سنة 1990 يتعلق بعلاقات العمل، ج.ر. الصادرة في 27 أبريل 1990، العدد 17، المعدل والمتمم بالقانون رقم 22-16 المؤرخ في 20 جويلية 2022، ج.ر. الصادرة في 20 جويلية 2022، العدد 49.
[4] - الأمر رقم 08-04 المؤرخ في 01 سبتمبر 2008، يحدد شروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لانجاز مشاريع استثمارية، ج.ر. الصادرة في 03 سبتمبر 2008، العدد 49، المعدل والمتمم للأمر 06-11 المؤرخ في 30 أوت 2006، يحدد شروط وكيفيات منح الإمتياز والتنازل عن الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لإنجاز مشاريع إستثمارية، ج.ر. الصادرة في 30 أوت 2006، العدد 53.
[5] - القانون رقم 11-11 المؤرخ في 18 يوليو 2011، المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2011، ج.ر. الصادرة في 20 يوليو 2011، العدد 40.
[6] - الأمر رقم 15-01 المؤرخ في 23 يوليو 2015، المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2015، ج.ر. الصادرة في 23 يوليو 2011، العدد
![]() |


0 Comment:
إرسال تعليق