Hot!

المرجع القانوني الجزائري | مدخل لدراسة القانون الجنائي للاعمال




مدخل لدراسة القانون الجنائي للاعمال



ومن المشكلات التي احتلت اهتمام الباحثين والمهتمين في المجالين التشريعي والقانوني مشكلة الانحراف المالي من قبل القائمين على إدارة المشروعات التجارية والاقتصادية ويظهر جليا حال اتخاذ الشركة حقلا ومجالا لممارسة هذا النشاط حيث أن الشركة بما لها من شخصية اعتبارية وذمة مالية وكيان اعتباري تسمح أن يرتع خلالها كل من له نزعة لتكوين الثروات الباطلة، من خلال إدارتهم لهذا الكيان و عبر ممارسات غير أخلاقية وهذه الجرائم تأثر لا محالة في النظام الاقتصادي للدولة، وخاصة في مجال الشركات والمؤسسات الاقتصادية بحيث لا يكاد أن يكون هنالك حصر لوسائل التلاعب والاحتيال التي يلجأ إليها بعض المسيرين لاستعمال و ابتزاز المال العام. لذلك بات لزاما التدخل لممارسة سياسة الردع والعقاب ضد الاستعمال المسيء أو المنحرف لأموال المشروعات والشركات التجارية، ومن هنا كان لابد من سرعة تحرك السلطات التشريعية والقضائية لمواجهة الانحرافات المالية إيمانا منهم بالدور الهام الذي يلعبه مسيري هذه الشركات في رسم إطار الاقتصاد، وإيمانا منهم بضرورة توفير المناخ الملائم لتلك المنشآت لأداء دورها الاقتصادي المنشود. والجدير بالذكر أنه من بين الجرائم التي قررها المشرع الجزائري هي تلك المتعلقة بإدارة وتسيير الشركات التجارية وذلك نظرا لاهتمامه البالغ بها وخطورة وأهمية التسيير على إنماء أموال الشركة والمحافظة عليها تحقيقا للأهداف التي أنشأت من أجلها هذه الأخيرة و تبعا لهذه الأهمية سعت التشريعات المنظمة لمثل هذه النشاطات إلى تحصينها وإخضاعها لحماية جنائية صارمة بتجريم جملة من السلوكات التي تشكل خطرا على أموالها. تختلف الجرائم المتعلقة بإدارة وتسيير الشركات التجارية و تتعدد سواء في التشريع الجزائري أو التشريعات المقارنة وتحتل جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة صدارة اهتمام الباحثين والممارسين على حد سواء وذلك لما تثيره من إشكالات قانونية وعملية وأيضا لخطورتها على أموال الشركة. إن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة هي أولا وقبل كل شيء جنحة معرفة بأنها: " استعمال أموال أو اعتماد الشركة من المسير بسوء نية استعمالا مخالفا لمصلحة الشركة، من أجل تحقيق مصلحته الشخصية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة." وتعود نشأة هذه الجريمة عند المشرع الفرنسي للقانون الصادر في 8 أوت 1935 و ذلك نتيجة لفضائح مالية كبرى، غير أنه قبل ذلك لم تكن هذه الجريمة دون عقاب أي أنه بالرغم من عدم وجود نص يعاقب على هذا التعسف، فإن القضاء الفرنسي، وأمام عدم وجود أحكام خاصة شيد بناء يمكن وصفه بالشجاع طبقه على المسيرين غير الشرفاء وهو النص المتعلق بخيانة الأمانة. في حين أن المشرع الجزائري جاء بجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة في الباب الثاني المتعلق بالأحكام الجزائية للقانون التجاري و ذلك بموجب المواد 800 فقرة 4 و811 فقرة3 ، و 840 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري، كما نص عليها في المادة 131 و133 من قانون النقذ و القرض رقم 03-11 المؤرخ في 26/08/2003. عند قيام مسير الشركة باقتطاعات مالية من أموال الشركة بطريقة تعسفية وغير شرعية، واعتبارها كأنها أمواله الخاصة واستغلالها في التدخل في مجال الصفقة العمومية بهدف الحصول على هذه الأخيرة، يكون بذلك متعسفا في استعمال أموال الشركة القائم على إدارتها أو تسييرها . وهنا نلاحظ أن الصفقات العمومية بالرغم من أنها تشكل أهم مسار تتحرك فيه الأموال العامة وبالرغم من أن المشرع وضع الوسيلة القانونية في يد الإدارة من أجل تسيير هذه الأموال، إلا أنها تعد المجال الخصب للفساد بكل صوره، الأمر الذي أدى بالمشرع الجزائري عن طريق قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06-01 بتوسيع نطاق التجريم رغبة منه في حصر كل أفعال الفساد في هذا المجال، وهو ما عمل على تحقيقه بإدراج كل التجاوزات والمخالفات التي تحصل في مجال الصفقات العمومية محاولة منه سد الثغرات والمنافذ التي تعتريها . فضلا عن الجرائم التي جاء بها قانون الوقاية من الفساد ومكافحته والمتعلقة بالصفقات العمومية، توجد هنالك جرائم ترتكب بمناسبة إبرام الصفقة العمومية، كما هو الشأن بالنسبة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة التي هي محل الدراسة، في هذه المحاضرات كما أن مسير الشركة الاقتطاعات المالية الحاصلة بمناسبة إبرام صفقة عمومية من أجل الحصول عليها، يقتضي استعمال أساليب غير مشروعة من طرف كل من القائم على الصفقات العمومية من جهة، و القائم على الصفقات العمومية من جهة أخرى . في هذا الصدد يقوم المسير باستعمال أسلوب شائع وذائع في هذا العصر وهو استخدام الرشوة بصورها المختلفة للحصول على امتيازات لدى بعض الجهات و الهيئات القائمة على الصفقات العمومية و التي تسمى وفق قانون الصفقات العمومية بالمصالح المتعاقدة هذا من جهة ، وذلك على حد اعتقادهم بأنه إن لم يلجأوا إلى هذه الوسائل فإنهم لم ينجحوا في تحقيق أية منافسة، مع أننا ندرك تماما على أنه إذا تفشت الرشوة في مجتمع فلا شك أنه مجتمع فاسد، محكوم عليه بالعواقب الوخيمة و بالهلاك المحقق. ومن جهة أخرى، تقوم المصالح المتعاقدة بغرض تمكين المسير من الحصول على الصفقة العمومية بطريقة غير مشروعة، بخرق إجراء من إجراءات الوضع في المنافسة الذي يمكن أن يتجسد في جميع مراحل حياة الصفقة العمومية . مثل هذه الأمور جعلت الشبهات تحوم بصفة رئيسية حول كيفية منح الصفقات العمومية بالتالي أصبح العام و الخاص متيقنا بأن إبرام الصفقات لا يتم إلا بموجب صفقات باطنية تبرم في الكواليس وما هو ظاهر يعد سوى تمثيل شكلي لا غير، مما يجعل الكثير من ذوي النفوس المؤمنة الطيبة و النزيهة تعزف عن الدخول في المنافسات الشكلية. تعتبر جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة جريمة مجهولة نوعا ما من قبل المسيرين، الأمر يدفع للتساؤل عن هذه الجريمة ظاهرة وواضحة بصفة كافية بحيث تمنع المسيرين من ارتكابها؟ إذ نجد الكثير من المسيرين غالبا ما يصطدمون بجهلهم أو بعدم فهمهم لهذه الأخيرة، حيث تعتبر هذه الجريمة بالنسبة للبعض جريمة متواجدة بصفة مطلقة ومستمرة تسمح بمعاقبة وحبس مسيرين يكونون قد ارتكبوا الجريمة تقريبا عن غفلة أو سهو أو إهمال، أو كون جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة من أنواع الجرائم التي لا تجعل مرتكبها يحس أنه قد ارتكب جريمة، معتقدا أنه يستعمل حقا مخولا له بموجب وظيفته و أنه من الطبيعي بالنسبة له استعمال أموال الشركة والاستفادة من مركزه باستعمالها لتحقيق أغراضه الشخصية؟ كما هو الحال بالنسبة للفئة الأخرى من المسيرين الذين يعتقدون خطأَ مثلا أن عادة القيام ببعض الممارسات تبرر إستمرارها كالقيام باقتطاعات من أموال الشركة دون مقابل لها أو اعتقادهم أيضا أن غياب الإثراء الشخصي الفوري يعذُر استعمالهم لأموال الشركة. .

إن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و إن كانت تعتبر موضوع تجاري محض، إلا أنها أصبحت تطال حتى مجال الصفقات العمومية،غير أن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا توجد من الاجتهادات القضائية تكاد تكون خاليا من وجود اجتهادات بشأنها من قبل قضاء المحكمة العليا وذلك بسبب أن هذه الجريمة لم تعرف بعد طريقها إلى المحاكم في الجزائر الأمر الذي دفعنا إلى الاستشهاد والاستناد إلى الأحكام و القرارات التي استقر عليها القضاء الفرنسي والتي يصلح الأخذ بها في بلادنا باعتبارها مصدرا للجريمة ونظرا لتطابق التشريعين في هذا المجال لذا نكتفي بالإشارة إلى جميع المظاهر التي تتجلى فيها جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة وتفسير مضمون النصوص القانونية المتعلقة بهذه الجريمة،والملاحظ أن المشرع قد جعل ارتكابها في إطار قانوني ضيق أي حدد الشركات التجارية التي تكون محلا لارتكابها و المتمثلة في شركة المساهمة و الشركة ذات المسؤولية المحدودة، و بالتالي لم يمدد مجالها إلى جميع الشركات التجارية الأخرى و المؤسسات العمومية الاقتصادية بالرغم من أنها ممكنة الوقوع في هذه الأخيرة ولكن يتابعون من خلالها طبقا لأحكام قانون العقوبات بعنوان خيانة الأمانة أو من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بعنوان إساءة استعمال الممتلكات على نحو غير شرعي. برجوعنا إلى النصوص المعاقبة على جريمة الإستعمال التعسفي لأموال الشركة، نجد أن نية المشرع الجزائري اتجهت لمعاقبة كل مسير استعمل أموال أو اعتماد الشركة استعمالا يعلم أنه مخالف لمصلحتها تلبية لأغراضه الشخصية سواء المباشرة أو الغير مباشرة، أبان لنا أن المشرع الجزائري استعمل عبارات واسعة و فضفاضة تقبل تغطية العديد من التصرفات و تحتمل العديد من التأويلات، ومنها أن المشرع استعمل عبارة بسوء نية مع العلم ، و الأغراض الشخصية، مما أفرز إشكالية الحدود التي يمكن الوقوف عندها لتحديد كيف بإمكان المسيرين أن يستخدموا أموال الشركة دون أن يقعوا تحت طائلة المسؤولية، و كذلك استعمل عبارة مصلحة الشركة هي الأخرى طرحت إشكالا من حيث مفهومها، و سجلنا وفقا لما تقدم بيانه سابقا أنه ظهر بشأنها نظريتان ، أحدهما ترى أن مصلحة الشركة تتجسد في مصلحة المؤسسة باعتبارها كيان مميز عن الشركة و الشركاء، و الأخرى ترى أنها تعبر عن مصلحة الشركاء الذين أنشئوا وخلقوا هذه الشركة وعينوا المسيرين فإذا تعسف هؤلاء في استعمال أموال الشركة فإنهم يلحقون أضرارا بالذمة المالية لهذه الأخيرة و بالتالي مصالح الشركاء، و انتهينا بالقول أن مصلحة الشركة تتجسد في مصلحة الشركة باعتبارها هي الضحية الأساسية و المباشرة للتصرف المرتكب من طرف المسير ومصلحة الشركاء لأن الإضرار بمصلحة الشركة سيؤدي حتما إلى المساس بمصلحة هؤلاء.

إن جريمة الإستعمال التعسفي لأموال الشركة المنصوص عليها في قانون العقوبات الفرنسي، يترجم لنا إرادة المشرع الفرنسي في الإلمام بجميع الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية من خلال لجوئه إلى الجرائم المتواجدة في قانون العقوبات لإتمام المنظومة العقابية فيما يخص جرائم المتعلقة بالصفقات العمومية، ويترجم لنا إرادة المشرع في محاربة الفساد بصفة صارمة و كذلك الحد من ظاهرة الاحتيال في مجال الصفقات العمومية. وعند حديثنا عن الجوانب الإجرائية لقيام جريمة الإستعمال التعسفي لأموال الشركة، تبين لنا إشكال فيما يتعلق بتقادم الدعوى العمومية، خاصة فيما يتعلق نقطة انطلاق هذه المدة و بداية سريانها هل من حيث ارتكاب الجريمة أو الإبلاغ عنها أو اكتشافها، ولكن في إطار ميدان تسيير الشركات التجارية و نظرا لتطور أساليب الغش و تعقيدها، يستطيع المذنبون إخفاء طرق الاستعمال التعسفي بقصد الاستفادة من التقادم، ومن أجل اجتناب الآثار السلبية المترتبة عن هذه التصرفات الإجرامية و تدعيم الجزاء، فنظرا للطبيعة الخاصة لهذه الجريمة يحبذ تمديد أجل التقادم إلى يوم اكتشاف الجريمة و ذلك خروجا عن القاعدة العامة و مقتضيات أحكام المواد 7 و 8 من قانون الإجراءات الجزائية. كما سجلنا في إطار الجزاءات المقررة على مرتكب جريمة الإستعمال التعسفي لأموال الشركة أن المشرع الجزائري لم ينص على عقوبات ثانوية تكميلية أو تدابير أخرى علاوة على العقوبة الأصلية، نظرا لما تسببه هذه الجريمة من ضرر عن الاسترزاق اللامشروع، الأمر الذي يفرض على المشرع الأخذ بهذه العقوبات التكميلية و التدابير في مواجهة المسير الجاني من أجل الحفاظ على الثقة التجارية في التعامل. تعتبر جريمة الإستعمال التعسفي لأموال الشركة من بين أهم الجرائم المرتكبة في الأعمال، نظرا لسهولة اقترافها و بقاء أثارها خفية و غير ظاهرة، وهي تمثل من الخطورة ما لا يقل عن الجرائم الأخرى، ولكن بالرجوع إلى الحياة العملية، فمن المؤكد أن جريمة الإستعمال التعسفي لأموال الشركة تقترف من طرف مديريها على غرار الجرائم المالية الأخرى، غير أن الأحكام القضائية لم تصدر بشأنها، ونتساءل إذا ما كان اكتشافها يشكل عبئا أكبر من اقترافها، أو أن هنالك تهاون في ممارسة الحقوق و الدور الرقابي على المسيرين بطريقة جدية، أكثر من ذلك، يبدو أن القضاء في هذا المجال لا يلعب دوره الردعي في الجرائم، ويكتفي بالحكم على أساس الجرائم الكلاسيكية وذلك بالرغم من الصدى الكبير لهذه الجريمة في الأوساط القانونية و الاقتصادية، فإننا نلاحظ أن العديد من دعاوى الشركة و الشركاء في هذا الإطار إنما ترتكز عند تأسيس دعواهم على جريمتي خيانة الأمانة أو إساءة استعمال الممتلكات على نحو غير شرعي، متجاهلا بذلك الأحكام بالرغم من أهميتها، والصعوبة كلها تكمن في تقنية هذه الأحكام وصعوبة تفسيرها حتى تلعب دورها كضمان للحفاظ على المصلحة التي ابتغى المشرع حمايتها. وتهدف هذه الدراسة إلى محاولة الإحاطة بهذه الجريمة من كل جوانبها وذلك لإزالة كل لبس يعتريها،كما تعتبر أداة ضرورية في يد المسير لمعرفة كل التصرفات التي من شأنها أ ن تجعله مرتكب لهذه الجريمة، وذلك لتفادي الوقوع في دائرة الخطر الجزائي التي يكون سببها الصلاحيات الممنوحة لهذا الأخير. وكذلك لتفادي وقوع هذه الجريمة لابد من حسن اختيار مسير الشركة الذي يجب أن يتحلى بمهارات فنية ،سلوكية ،إدارية و أن يكون شخصا أهلا للمسؤولية قادرا على تحمل صلاحياته و مستلزمات عمله التي تمكنه من النجاح في وظيفته، و أن يكون أهلا للثقة الموضوعة له من طرف الشركاء أو المساهمين، ذلك أن حسن الإدارة هي أساس نجاح الشركة.